وجودنا في هذه الدنيا للتكافل والتعاون ومساعدة بعضنا
الوكيل المساعد لشؤون العمل أحمد الحايكي
”الصعقيل والقلينة” أحلى أوقات الشتاء والصيف وما أجملها بين سماهيج وقلالي
من أجمل الحكايات وفصولها والأحاديث وأطرافها، أن نسرد شيئًا يسيرًا من قصص أبناء البحرين الذين شقوا طريقهم ليحرزوا النجاح.. تجاوزوا كل العوائق وأزالوا كل الحواجز وتسلحوا بالعلم ووصلوا إلى أعلى المناصب، بل أصبحوا يغرسون في نفوس الشباب ما اختزنوه من خبرات وتجارب. هذا هو حديث "الوجه الآخر" مع الوكيل المساعد لشؤون العمل بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية أحمد جعفر الحايكي. وبالمناسبة، وفي شهر أكتوبر الماضي من العام الجاري 2021، وفي لقاء مع اللجنة الأهلية بقرية باربار، قال ضيفنا عبارة جميلة أصبحت تتكرر من موقع صحيفة "البلاد" إلى روابط شبكات التواصل الاجتماعي وهي "وظيفتي.. أحسن وظيفة في العالم".
في ذلك اللقاء، وصف ضيفنا وظيفته بأنها أحسن وظيفة في العالم بل ويغبط نفسه عليها؛ لأنها وظيفة تدور في فلك مساعدة المواطنين على العثور على وظيفة أو العمل على منع تسريح مواطن من عمله، لذلك فإن من خلاصة التجربة هو القول إن أكبر تحد يواجهه الإنسان في سوق العمل هو تحدي نفسه، ومدى قدرته على إقناع الآخرين بأنه الشخص الأنسب لشغل الوظيفة في ظل المنافسة العالمية الناتجة عن طبيعة السوق المفتوحة على العالم، علاوة على أن سوق العمل مزدحمة بالمنافسين ولا ينبغي للباحثين عن عمل الاعتقاد أن طريق النجاح مفروش بالسجاد الأحمر.
روايات إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ جزء من شغف مرحلة الشباب
من سماهيج إلى لوس أنجلوس
نرجع مع ضيفنا إلى فترات الطفولة والصبا والشباب، فيقول: أنا من مواليد العام 1963 بقرية سماهيج، وتلك القرية الجميلة التي نعشقها هي مرتع طفولتنا التي كانت مفعمة بالبساطة وحب الحياة، ويا لها من لحظات جميلة مع ألعابنا الشعبية التي نقضي بها أحلى الأوقات كلعبة الصعقيل والخشيشة والقلينة والتيلة والتوفة وكلها ألعاب شعبية لم يعد الكثير منها موجودا اليوم، وسواء في حر الصيف أو برد الشتاء كنا نمارس طفولتنا بسعادة وأتذكر من الأصدقاء في تلك المرحلة عبدالهادي الحايكي، عيسى الحايكي، عبدالجليل الحايكي، عبدالله محسن، عبدالله الدخيل، علي الصايم وكثيرون، رحم الله الماضين وأطال عمر الباقين. وبالمناسبة، أجمل ما في تلك المرحلة معانيها الجميلة مع جيراننا أهالي قرية قلالي الذين ما تزال تربطنا بهم العلاقات الطيبة، وكنا في فترة الشباب ننظم الدورات الرياضية المشتركة ونلتقي في مجالسنا ونتزامل في الدراسة، إلى حين مرحلة الدمج بين سماهيج وقلالي، وهذا باختصار مشهد من المشاهد التي أعرج عليها في شريط الذكريات عن تلك المرحلة.
وإذا سألت عن فترات الدراسة، فالمرحلة الابتدائية كانت في مدرسة سماهيج للبنين وكذلك المرحلة الإعدادية، أما الثانوية فكانت في مدرسة الهداية الخليفية حيث درست المسار التجاري، وحال تخرجي من المرحلة الثانوية في منتصف الثمانينات توجهت للدراسة الجامعة في القاهرة وتحديدًا في الجامعة الأميركية والمعهد التجاري، وبعد مرحلة البكالوريوس أكلمت دراستي في الولايات المتحدة الأميركية (ولاية لوس أنجلوس)، حيث تخصصت في الإدارة.
العائلة تلهمك وتلهمها
كم هو رائع أن يكون إلهام النجاح من العائلة! يقول الحايكي: نحن في المجتمع الشرقي خصوصًا البحرينيين، لنا ارتباطنا العائلي الكريم الذي هو أساس ومفتاح النجاح بالنسبة لي ولكثيرين، ونحافظ على هذه الروابط مهما تغير الزمن، ولك أن ترى المجتمع البحريني والخليجي ومدى قوة ترابطه، فحتى اليوم وبالرغم من الجائحة التي أثرت على مجريات الحياة في كل الكون، لكن ها نحن نقوي الروابط ونحافظ عليها ويزورنا الأهل والأقارب حتى من دول مجلس التعاون الخليجي، وفي محيط أسرتي أو عائلتي فإنني أحمل أجمل المشاعر لأجمل شيء في حياتي.. مع الوالدين والأعمام والأخوال وعيال العم وأهل الزوجة والأبناء، فأراهم الدافع الحقيقي لتحقيق أفضل النتائج كونهم السند والعون، ومن المهم أن يراك أبناؤك وأقاربك شخصًا ملهمًا.
وفيك انطوى العالم الأكبر
من أجمل الأقوال والحكم وكلام النور التي تأثرت بها، ما بين أيدينا من نفائس من كلام أمير البلغاء الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولك أن تتأمل بيت الشعر العظيم: "وتحسب أنك جرم صغير.. وفيك انطوى العالم الأكبر"، فهذا الأثر البليغ له انعكاسه على نفوسنا وأرواحنا من إعجاز خلق الله سبحانه وتعالى، ويشحذ هممنا لأن نسبر أغوارنا ونخرج ما أودعه الله جل وعلينا فينا من نظام خلق دقيق في كل تفاصيله وإعجازه. من ناحية أخرى، مؤمن جدًا بأنه لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج، وهذه الأقوال مؤثرة في حياة كل من يتأمل في معانيها ودلالاتها، وكلها مرتبطة بأقدس كلام وهو كلام الله سبحانه وتعالى بالقرآن الكريم، الذي يضاعف ارتباطنا بالقيم السامية لكل الإنسانية من خلال العطاء العظيم وخدمة الناس، فأصل إلى النقطة الخاتمة وهي أن وجودنا في هذه الدنيا للتكافل والتعاون ومساعدة بعضنا البعض وهذا من أكبر المقامات التي أترجمها في حياتي اليومية قدر استطاعتي.
هذه المدن التي أحبها
أما عن السفر فيقول ضيفنا: أحب السفر كثيرًا، بل أحب الاختلاط بمختلف الجاليات والشعوب والحضارات والديانات المختلفة، ويجذبني التعرف على عادات وتقاليد شعوب العالم، وهذا الشغف يجعلني أتابع الفضائيات التي تقدم البرامج والأفلام الوثائقية عن حياة وثقافات الشعوب وأعيش معها لحظات مميزة، فالله سبحانه وتعالى خلق منا شعوبًا وقبائل لنتعارف وهذا أمر قرآني، زد على ذلك أن تجربة الأطباق وطبخات الشعوب حين نزور هذا البلد أو تلك هي جزء جميل كما هو جمال حب الطبيعة.
في مرحلة الشباب، بطبيعة الحال، كنت أحب المدن الصاخبة والنشطة ولهذا فإن لجمهورية مصر العربية، ومدينة القاهرة التي لا تنام، مكانة خاصة لا سيما أنني عشت فيها سنوات الدراسة وهي أول بلد أعيش فيه بعد البحرين، والعيش هناك عرفني وعلمني على الكثير من الأشياء الجديدة في حياتي أولها الاعتماد على النفس فأنت لوحدك وعليك أن تقوم بكل شيء، وعليك أن تعيش وتصارع وتتعرض للأزمات والتحديات والمشكلات ويلزم أن تكون قويًا دائمًا، فالتجارب والأخطاء تعلمنا وليس هناك من لا يخطأ، ولكن العيب ألا نجرب ونتعلم من أخطائنا، أما في هذه المرحلة العمرية فالإنسان يميل إلى الهدوء والسكينة حال السفر، فأحب مدن ملغا وبرشلونه والمدن الساحلية في إسبانيا، وكذلك أحب لوس أنجلوس التي درست فيها، ومن دول الشرق الأدنى سافرت إلى تايلند والفلبين وإندونيسيا، والأخيرة أعجبتني فيها مدينة بالي الساحرة بجمالها.. سبحان الله الخالق المصور المبدع.
التاريخ والروايات وخلق البشرية
لي شغف كبير بقراءة كتب التاريخ والروايات، وكم أحببت كتاب "مروج الذهب" للمسعودي بل قرأته أكثر من مرة، وفي كل مرة أجد فيه اكتشافًا ولذةً عقلية وفكرية، وعمومًا فحبي لقراءة التاريخ يقربني من فهم خلق البشرية، ولهذا فـ "مروج الذهب" لا يغادر مكتبتي، ثم يذهلني ياقوت الحموي في معجم البلدان، الذي يأخذنا إلى عوالم نكتشف فيها الكثير من المعارف. أما عن الروايات، فكما هو الحال في مرحلة الشباب، كانت روايات نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وتشوفيسكي وعموم الأدب العربي والروسي والإنجليزي تمثل مرحلة مهمة من القراءة واكتساب المعرفة.
مجتمع متمدن بثقافته
في رحلتنا الجميلة مع ضيفنا، سيكون مسك الختام مع أعيادنا الوطنية، ونحن في رحاب "بحرين المستقبل"، يقول الحايكي: إن الله سبحانه وتعالى حبانا في هذا الوطن الكريم بعائلة حاكمة كريمة، وهذه السمات والشمائل يحملها كل أبناء البحرين بسمعتهم الطيبة في بلد يحب قائده شعبه وشعبه يحبه، فحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، جعل المواطن البحريني أساس ومحور التنمية الشاملة المستدامة ومحور الارتكاز الذي تنطلق منه الأهداف والبرامج تحقيقًا لسعادته ورضاه، والعهد الإصلاحي لجلالة العاهل فتح الأفق الأوسع والضامن للحقوق والواجبات والمواطنة والعمل الديمقراطي ومؤسسات المجتمع المدني في دولة القانون والمؤسسات، وأنا من الناس الذي يقدرون ويثمون ويعتزون بدور مؤسسات المجتمع المدني في دعم المبادرات ونشر القيم الوطنية والإنسانية والعمل التطوعي وثقافة التكافل والعطاء، وهذه صور من أجمل صور مجتمعنا البحرين الرائع.. وكل عام والبحرين، ملكا وحكومة وشعبا في تقدم ورخاء ورفعة وسلام.
سنوات الدراسة في مصر علمتني أن أصارع لوحدي وأتعلم من أخطائي
