+A
A-

المخرج حسين الحليبي

‭"‬"دار‭ ‬غريب"‭" ‬تجربتي‭ ‬الأنضج‭ ‬وعشت‭ ‬تفاصيلها‭ ‬بعمق

يعرفه‭ ‬المقربون‭ ‬منه،‭ ‬من‭ ‬الأهل‭ ‬والأصدقاء‭ ‬والمعارف‭ ‬والزملاء،‭ ‬بأنه‭ ‬يمتاز‭ ‬بملامح‭ ‬الهدوء‭ ‬في‭ ‬أصعب‭ ‬الظروف،‭ ‬ويبتسم‭ ‬حينما‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬أمام‭ ‬أقسى‭ ‬المواقف‭ ‬والظروف،‭ ‬وبعدها‭ ‬يجتاز‭ ‬قساوة‭ ‬الدرب‭ ‬وتعقيدات‭ ‬المشهد‭ ‬مبتسمًا‭ ‬أيضًا؛‭ ‬لأنه‭ ‬تعلم‭ ‬من‭ ‬إصراره‭ ‬على‭ ‬النجاح‭ ‬أن‭ ‬ينجح‭ ‬أكثر،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬تجربته‭ ‬الأحدث‭ ‬في‭ ‬الدراما‭ ‬‭"‬دار‭ ‬غريب‭"‬،‭ ‬محط‭ ‬إعجاب‭ ‬آلاف‭ ‬المشاهدين‭.‬

المخرج‭ ‬حسين‭ ‬الحليبي‭ ‬عشق‭ ‬الفن،‭ ‬بمسرحه‭ ‬وسينماه‭ ‬وأدبه‭ ‬وشعره‭ ‬وموسيقاه،‭ ‬وتجاوز‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحواجز‭ ‬ليثبت‭ ‬نفسه‭ ‬بجدارة،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬العام‭ ‬1977،‭ ‬ويحمل‭ ‬شهادة‭ ‬البكالوريوس‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬والعلاقات‭ ‬العامة،‭ ‬ومن‭ ‬مؤسسي‭ ‬مسرح‭ ‬الصواري،‭ ‬وكان‭ ‬العام‭ ‬2007‭ ‬محطة‭ ‬مهمة‭ ‬له‭ ‬حينما‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬مخرج‭ ‬مسرحي‭ ‬وأفضل‭ ‬تصوير‭ ‬سينمائي‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬الخليج،‭ ‬وأخرج‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2018‭ ‬مسلسل‭ ‬‭"‬المواجهة‭"‬‭ ‬ومسلسل‭ ‬‭"‬سماء‭ ‬صغيرة‭"‬،‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬2020‭ ‬تألق‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬مسلسل‭ ‬‭"‬وكأن‭ ‬شيئًا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭"‬،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬سنقترب‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬في‭ ‬شخصيته‭ ‬أولها‭ ‬‭"‬لحظة‭ ‬الصمت‭"‬‭...‬

تركت‭ ‬الفرص‭ ‬الوظيفية‭ ‬الذهبية‭ ‬لأنني‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬الفن

ربما‭ ‬بحثنا‭ ‬عن‭ ‬حسين‭ ‬الحليبي‭ ‬فلم‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬ما‭.. ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ما‭.. ‬لعل‭ ‬نصوص‭ ‬الأعمال‭ ‬وأحداثها‭ ‬وتفاصيلها‭ ‬وكاميراتها‭ ‬وأطقم‭ ‬الممثلين‭ ‬والفنيين‭ ‬تجعلك‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬ما‭.. ‬ترى‭ ‬أين؟

أحب لحظات الصمت وأعيشها بكل جمالها حين أكون في مكان يسوده الصمت ولا أسمع سوى صوت الطبيعة حولي.. أذهب في لحظة أعزل نفسي في مكان ما لوحدي بعد يوم عمل طويل وشاق سواء في الموقع أو مع الأهل والعيال، وبالفعل وأقول هذا بكل صدق، حين أكون في مكان لا أسمع فيه إلا صوت الهواء وحفيف الشجر وما تجود به الطبيعة، فتلك لحظة سانحة تعيد ترتيب وجداني وتريح عقلي الذي يكون في الغالب "شغال".. تلك اللحظة يعمل فيها عقلي الباطن دون شعور مني وفيها أسرار ومنبع طاقة كبيرة.. في العقل الباطن طاقة قد لا نحسن استغلالها، ولا أقول إن لحظة الصمت تلك للتأمل بل للصمت مع نفسي، وهنا أجد الفرصة بذائقة جميلة فيها الإبداع وفيها حركة فاعلة لأمور كثيرة ربما هي مكبوتة.. أو مدفونة وحان الوقت لها لأن تتحرك.. هذا كل ما في الأمر.

 

جميل‭ ‬هذا‭ ‬الجو‭ ‬الذي‭ ‬أخذتنا‭ ‬إليه‭.. ‬وهل‭ ‬ثمة‭ ‬رفيق‭ ‬وخير‭ ‬الرفقة‭ ‬الكتاب‭ ‬والقراءة؟‭ ‬ما‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬تحب‭ ‬القراءة‭ ‬فيها‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬العزلة‭ ‬مع‭ ‬النفس؟

أحب علم الاجتماع كثيرًا، ولا أخفي عليك أنني أعشق الكاتب العراقي علي الوردي.. المرحوم علي حسين محسن عبدالجليل الوردي عالم اجتماع عراقي وأستاذ ومؤرخ عرف بتبنيه النظريات الاجتماعية الحديثة، فكتاباته جميلة وبسيطة وتصل بمحتواها إلى العقل والقلب بكل سلاسة وانسياب، وفي الوقت ذاته هي كتابات عميقة الطرح. في الحقيقة أثرت هذه الشخصية في حياتي سواء في السلوك أو التعامل مع الآخرين، خصوصًا التعامل مع الحياة، وأوجز أبعاد تلك الكتابات ما استخلصته من مدلولاتها ومعانيها التي تمنحك القدرة والإيمان والمهارة في تقبل الآخرين، بل تجعلك تنظر إلى العيش حتى بوجود الصراعات، لكنها صراعات من النوع التي توصلك إلى مستوى راق من الصراع، خلاف صراع العنف والأنانية.. إنه الصراع الفكري والفلسفي والجدل والخلاف مع الآخر بكل احترام، فلولا هذا النوع من الصراع لما تغيرت الحياة نحو أنماط أفضل.

هذه‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة‭ ‬لأن‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬مراحل‭ ‬مهمة‭ ‬مررت‭ ‬بها‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أنت‭ ‬عليه‭ ‬اليوم،‭ ‬مخرجا‭ ‬متميزا‭...‬

منذ صغري وأنا أحب المسرح وأعمل فيه.. كنت في السابعة من العمر حينما بدأت. كنت طفلا مولعا بالمسرح في مركز سلمان الثقافي، وكبر معي هذا الحب إلى المرحلة الجامعية أيضًا حينما التحقت بالمسرح الجامعي وفي الوقت ذاته مع مسرح الصواري. ولعل من المهم الإشارة إلى أن هناك قرارا صعبا لكنني اتخذته ولله الحمد وفقت فيه، وهو الدراسة الجامعية، فقد كان اختيار تخصص الإعلام والإخراج موضع صد في قبال دراسة الهندسة والطب، وبالفعل درست الهندسة لمدة عامين لكنني لم أشعر أن هذا مكاني الصحيح، ثم انتقلت لدراسة الإعلام والإخراج التلفزيوني، وحقًا أقول إن قراري كان صعبًا لكنه قرار سليم بالنسبة لي كشاب في أولى محطات حياته الجامعية، ولهذا القرار صلة بالحياة المهنية، فبعد التخرج عملت في شركة استثمارية اختصاصي علاقات عامة، ثم تعددت الفرص الوظيفية أمامي في هذا المجال وكذلك في مجال الصحافة، وكان بينها خيارات ممتازة أمام الحياة الفنية التي تعرف بأنها غير مستقرة، لكن فجأة "ضربت بريك"، وأخذت قراري وأوقفت العمل في العلاقات العامة والإعلام والصحافة واتجهت للفن حيث المكان الذي أجد نفسي فيه.. وكانت المقولة الأشهر المنتشرة لدى الكثيرين هي أن الفن "ما يأكل عيش"، لكن حين تدخل المجال وتخبره وتعمل بسعي واجتهاد فإنه غير ذلك تمامًا بل "يأكل عيش"! إنما المشكلة الأصعب هي أن هذا المجال غير مستقر، وحين تبدأ يجب أن تواصل بصبر وجد وتثبت وجودك لتصبح "مطلوبًا" أو أن تنتهي.. مثلًا، حين أقارن التجارة بالفن، أرى نتيجة أن كلا المجالين يلزم أن تتسلح فيهما بالمنافسة من أجل الصمود.

 

الآن،‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬مرتاح‭ ‬حقًا‭ ‬من‭ ‬قرارك؟

نعلم أن الوظيفة الثابتة كما يرى كثيرون أفضل من الفن وأحسن من العمل في الإخراج، ولا أخفي عليك وكما قلت لك، أن ترك الوظيفة الثابتة في مواقع مرموقة وفي شركات مميزة وبتعدد الفرص الذهبية ليس أمرًا هينًا، إلا أنني مضيت في المجال الذي أرغب فيه وفي الوقت ذاته أراقب إلى أين سيأخذني القرار، ولله الحمد، كان وما يزال صائبًا وأنا مرتاح جدًا من إنجازي.

 

لابد‭ ‬أنك‭ ‬واجهت‭ ‬بعض‭ ‬العراقيل،‭ ‬وفوجئت‭ ‬ببعض‭ ‬المطبات‭.. ‬حدثنا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭...‬

أقول بكل صراحة، لأن الفن مجال ظاهر وبارز أكثر من المجالات الأخرى، فهناك العديد من العوائق والحواجز التي يلزم أن تتصدى لها وأنت تمضي في طريقك نحو النجاح.. بالتأكيد واجهت في بداية مشواري الكثير من الأشخاص السلبيين الذي حاولوا إحاطتي بانطباعات سلبية وتشكيل صورة ذهنية معطلة للتطور، لكن كان لدي الإصرار والإيمان بأنني قادر على إثبات نفسي والوصول إلى المكان الذي أطمح إليه، فالعملية تحتاج إلى عمل وتراكم خبرة وتتطلب تراكم ثقافة واطلاعا على التجارب المهمة لدى الآخرين والاستفادة منها، وفترة عيشي في برلين في الواقع منحتني مساحة ممتازة للجلوس مع نفسي، ولهذا كانت أولى تجاربي متواضعة وفيها شيء من الصعوبة.

 

كيف؟‭ ‬هل‭ ‬حوربت؟

واجهت حجمًا كبيرًا من المحاربة والانتقاد الذي حين يتعرض له البعض يقول لنفسه: "خلاص.. سأتوقف"، لكنني لم أفعل ذلك، وكنت حينها أعمل في المسرح، وقدمت تجارب مهمة في مسرح الصواري ووصلت إلى مستوى لا بأس به من الخبرة والتمكن أيضًا. ثم في الدراما التلفزيونية هناك شأن آخر اختصره بالقول إنه ليس من المتوقع أن تبدأ أول ما تبدأ بتجربة قوية، بل تحتاج إلى تجارب تلو الأخرى تصقل مسارك، وفي أول تجربتين أو ثلاث واجهت انتقادات رهيبة، وأكرر، هي من ذلك النوع الذي قد تتسبب في إيقاف مشوار الإنسان، ومع ذلك واصلت وقلت: "كما نجحت في المسرح.. سأنجح في التلفزيون".

 

لك‭ ‬أسلوب‭ ‬مميز‭ ‬في‭ ‬الأخذ‭ ‬بتجارب‭ ‬الشباب‭ ‬وتشجيعهم‭ ‬ومنها‭ ‬تجارب‭ ‬الورش‭ ‬التدريبية‭ ‬وحلقات‭ ‬النقاش‭.. ‬أليس‭ ‬كذلك؟

للأمانة، أنا أقدر أي تجربة وأحترمها، ولا يجب من وجهة نظري أن ننظر فقط إلى الجانب السيئ، لكن على الأقل نضع متوسطًا لنقارنه أو لنقيّمه بما يمكن أن يكون عليه بدرجة في مستوى أعلى.. وأعني تجارب الشباب.. وألفت إلى أنه من الضرورة بمكان أن تكون تجارب شبابنا مدعومة وموجهة سواء من جانب الجهات الحكومية أو المتخصصة في الجانب التلفزيوني والسينمائي؛ لكي يسير الشباب في طريق يطور تلك التجارب، لا أن توصف بأنها سيئة وبالتالي تعرضهم للإحباط! تجربتنا في مهرجان الشباب للهواة بقيادة الفنانين البارزين عبدالله السعداوي ويوسف الحمدان كانت مثالية إلى درجة طيبة، فأي أحد من الشباب يرغب في تقديم تجربة لابد وأن يشارك معنا في ورش عمل وحلقات نقاش حتى يشرع في تجربته جيدة كانت أو غير جيدة، فالأهم هو أن تبدأ بتشكيل مسار سليم، فلربما بين يديك شاب أو شابة لديهما الطموح لكنهما لا يعرفان نقطة البداية، وربما يكون لديك إنسان موهوب لكنه لا يعرف تقديم المحتوى بالشكل الصحيح، ولابد أن نأخذ بيده.

 

دعنا‭ ‬نسافر‭ ‬معك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬أي‭ ‬المدن‭ ‬تحب؟

برلين.. عشقت هذه المدينة لأنني عشت في ألمانيا لسنوات رافقت فيها زوجتي الكريمة أثناء دراستها، وأقول إنها مدينة قريبة إلى قلبي لما تحفل به من فعاليات ثقافية وفنية بشكل يومي، وحديثي هنا قبل جائحة الكورونا، ففي تلك المدينة جماليات رائعة حين تمشي بين أنحائها وترى الثقافة والفن وتستمتع بالحياة والناس الراقية من حولك.

 

ترى‭.. ‬هل‭ ‬تأثرت‭ ‬ببعض‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬والتلفزيون‭ ‬واستخلصت‭ ‬منها‭ ‬تجربة‭ ‬ما؟

الأعمال كثيرة، لكن يكفي أن أشير إلى أن من الأعمال الجميلة التي أحببتها وما زلت هي تجارب المخرج الراحل يوسف شاهين، ولا أقول إنني تمنيت أن أقوم بتجربة عمل من أعماله، لكنني أميل إلى خطه.

 

سنحط‭ ‬الرحال‭ ‬في‭ ‬محطتنا‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ "‬دار‭ ‬غريب‭".. ‬صفها‭ ‬لنا‭ ‬بكل‭ ‬صراحة؟

دخلت مجال الدراما منذ العام 2009 في دولة الكويت الشقيقة، وصدقني هذه هي التجربة الأنضج بالنسبة لي سواء من الناحية الفكرية أو التقنية، كيف؟ أقول إنه عمل متكامل وبتراكم خبرة مع الممثلين وبوجود نص قوي لكاتب قوي هو حسين المهدي، وهو من الكتاب البحرينيين المبدعين.. مثقف وقارئ ويكتب من عمق المعاناة، فلا يقدم نصًا سطحيًا بل يتميز بعمق المعاني والمضامين والدلالات التي كنت أفتقدها بصراحة في نصوص سابقة. لامسني العمل لأنه قريب من بيئتي.. فالفنان حين يكون في بيئته التي يعيش فيها يقدم تجارب أنضج؛ لأنه يعايش كل التفاصيل بأحداثها وشخوصها وأماكنها، ولا أقصد بذلك أن البيئة الخليجية تختلف عن البحرين، لكن مهما يكن الأمر، فهناك خصوصية لكل فنان.. الموسيقار والفنان التشكيلي والأديب والشاعر، فالفن لغة يفهمها كل البشر وفي أي مكان في الكون، وفنك يبقى في جانبه المهم هو اقترابه من المكان الذي تنتمي إليه.. المكان الذي عشت وتربيت فيه، ولذلك حين نعمل في البحرين تلاحظ أن معظم الأعمال بالنسبة لي، ولن أتكلم عن الآخرين، يكون مستوى فيها التميز أكثر وأكبر.