+A
A-

المخرجة د. إيفا داود

تبتعد‭ ‬المحطات‭ ‬أو‭ ‬تقترب‭.. ‬يطول‭ ‬المسير‭ ‬أم‭ ‬يقصر،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬رحلة‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬المخرجة‭ ‬د‭. ‬إيفا‭ ‬داود‭ ‬تبقى‭ ‬حافلة‭ ‬بالموجز‭ ‬العميق‭ ‬في‭ ‬معانيه‭ ‬ودلالاته‭.. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حوار‭ ‬الوجه‭ ‬الآخر‭ ‬معها‭ ‬إلا‭ ‬سائرًا‭ ‬في‭ ‬تأمل‭ ‬وجوه‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬رحاب‭ ‬التجارب‭ ‬والخبرات‭ ‬من‭ ‬وجه،‭ ‬والأمنيات‭ ‬والتطلعات‭ ‬من‭ ‬وجه‭ ‬آخر،‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬والضيفة‭ ‬هي‭ ‬مؤلفة‭ ‬ومخرجة‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وكان‭ ‬حلمها‭ ‬في‭ ‬صغرها‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬رائدة‭ ‬فضاء،‭ ‬وهو‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬أطفأته،‭ ‬ثم‭ ‬أشعلت‭ ‬مع‭ ‬أسرتها‭ ‬حلمًا‭ ‬آخر‭ ‬أشرق‭ ‬في‭ ‬حياتها؛‭ ‬لتصبح‭ ‬مخرجة‭ ‬لها‭ ‬مكانتها‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬بها‭ ‬ولها‭ ‬الجوائز‭ ‬المرموقة‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭.‬

من‭ "‬عفريت‭ ‬النبع‭" ‬و‭"‬غيابات‭ ‬من‭ ‬أحب‭" ‬و‭"‬لو‭ ‬كنت‭ ‬معي‭".. ‬مرورًا‭ ‬بالـ‭ "‬سندريلا‭ ‬الجديدة‭" ‬و‭"‬ربيع‭ ‬مر‭ ‬من‭ ‬هنا‭" ‬وقوفًا‭ ‬أمام‭ "‬رحلة‭ ‬نحو‭ ‬سارق‭ ‬النور‭" ‬وتصفيقًا‭ ‬لـ‭"‬رؤية‭ ‬الوعد‭.. ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭"‬،‭ ‬وترقبًا‭ ‬لـ‭"‬بصحة‭ ‬الكلب‭".. ‬وروائع‭ ‬أخرى‭ ‬ماضية‭ ‬ومقبلة‭ ‬بعون‭ ‬الله،‭ ‬سيكون‭ ‬الحديث‭ ‬عابقًا‭ ‬بجمال‭ ‬الروح‭ ‬ولذة‭ ‬الشعور‭ ‬وحلاوة‭ ‬الكلمة‭.. ‬ولم‭ ‬لا؟‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬مصداق‭ ‬ما‭ ‬نقول‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭:

سنذهب‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭.. ‬حيث‭ ‬الطفولة‭ ‬وذكرياتها‭ ‬وغرسها‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭.. ‬ماذا‭ ‬تتذكرين‭ ‬من‭ ‬المشاهد‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬ماثلة‭ ‬في‭ ‬ذاكرتك؟

طفولتي كانت رائعة وسعيدة، ولست أحب العودة إلى الماضي، فالذي مضى مضى بكل ما في جنباته من سعادة ومتعة وفرح وحزن وخبرة، وليس لدي حنين للطفولة إلا أنني أتوق إلى المستقبل.. على أية حال، عشت طفولة سعيدة في بيئة جميلة، لهذا أرى أن الماضي الذي عشته عرفته جيدًا، لكنني أريد المستقبل الذي أنتظره وهو المهم بالنسبة لي، ومع ذلك، سنذهب إلى إحدى القرى الجبلية في موسم قطاف الجوز وكنت في الخامسة من العمر.. الناس من حولي في ذلك الموسم يقطفون الجوز الأخضر ويستمتعون بجنيه وأكله، لكنني في ذلك المشهد وقتذاك أتأمل قشرة الجوزة وأنظر لها كأنها مملكة بما تحتويه من تعاريج ودروب وعوالم.. فلقتا الجوزة في يدي كانتا بمثابة مملكتين.. بطرقاتهما وخط سبيل الماء ومجراه الذي يروي تلكما المملكتين.. مضت قرابة ثلاث ساعات وأنا أتأمل تلك القشرة.

 

جميل‭ ‬ذلك‭ ‬المشهد‭ ‬الطفولي‭.. ‬لعله‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬اهتمامك‭ ‬بعالم‭ ‬الطفولة‭ ‬وما‭ ‬تابعناه‭ ‬من‭ ‬قصص‭ ‬فلربما‭ ‬لك‭ ‬ما‭ ‬تخبريننا‭ ‬به؟

بالمناسبة، أتمنى أن أنجز عملًا للأطفال، وفي الواقع، لدي القصة جاهزة إلا أن مشكلتنا كمخرجين تكمن في التمويل، وشخصيًا لا أجد مشكلة في الكتابة لكوني كاتبة، وكما تعلم فإن أعمال الأطفال لا سيما تلك التي تتحدث عن البطولة الملحمية تكلف مبالغ خيالية خصوصا حين ترتبط بزمن قديم يلزم أن تنقله للطفل بما يوافق انفعالاته وشغفه ومتعته وخياله.. وعودة إلى السؤال أود القول بكل صراحة، حيال ما تابعناه من أحداث وأخبار عبر الإعلام، وأول ما أود التركيز عليه هو أنني ضد استغلال قضايا الأطفال الإنسانية، وكإعلامية وسينمائية وبصرية، أعرف لغة السينما جيدًا وهذا يجعلني أتعامل مع الخبر، فإذا جاء من جهة اليمين أنظر إليه من جهة اليسار، وأقول بكل صراحة أنا مستعدة للذهاب إلى أقصى "ألاسكا" إن كان هناك طفل يحتاج لإيفا داود، لكن لنتحدث بواقعية: في كل يوم نعيشه، هناك أطفال يعيشون المعاناة بأشكال متعددة في مناطق متعددة من العالم، فلماذا ينصب الاهتمام الإعلامي العالمي على الأطفال كضحايا؟ لماذا لا تتحرك مثل تلك المشاعر في حقوق الأطفال في التعليم والعيش الكريم وحقهم في المستقبل المشرق، فأنت حين تبني ابنك فإنك تبني وطنًا وهذا مبتغانا جميعًا، فلا ترتفع الأوطان إلا ببناء الطفل علميًا.. الإعلام يريد سبقًا صحافيًا وعلى استعداد لأن يتاجر بأي شيء من أجل سبق صحافي وعدد مشاهدين مرتفع، لكنني لا أقبل بأن يصبح الأطفال مادة تستغل إعلاميًا.. من الأولى أن يعمل الإعلام على إبراز ما يلزم لتحقيق قصص نجاح للطفولة، لا أن يكتفي بنقل القصة المؤلمة وحسب.

ترى،‭ ‬ما‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬توجعك؟

الوجع كلمة واسعة، حين أتحدث عما يوجعني وما لا يوجعني، دعني أقول إنه في الحياة العملية لا يوجعني شيء فيها؛ لأنها حياة تقبل الربح والخسارة وتقبل ظروفها وهذه تقديرات من رب العالمين وهي أرزاق تأتي ولا تضايقني، وربما نتأثر في ميدان العمل لحظة ما لكنني لا أحملها في نفسي وتصبح كما حال الدائرة البعيدة.. وجعها لا يتعدى كونه زوبعة في فنجان، أما على صعيد الدائرة المحيطة، وكما يقال، فإنه لا يوجعك كثيرًا إلا من أحببته، ولو جئنا على الصعيد الإنساني فيوجعني وضع طفل أو امرأة، وأنا لست ضد الرجل، فوجوده في حياة المرأة العربية المسلمة مهم، ولأن الإسلام كرم المرأة لا يجب إخراج هذا التكريم من محتواه.. إذًا، يوجعني ما يلم بطفل بريء أو وضع امرأة تعاني.

 

متفقون‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬طرحت‭ ‬تمامًا،‭ ‬ودعينا‭ ‬نعرج‭ ‬نحو‭ ‬السينما،‭ ‬ماذا‭ ‬منحتك؟

أعطتني جناحي عقل ودائمًا أصف السينما بالحلم، فأنت تنقله من عقلك إلى عيون المشاهدين، ثم يتحول ذلك الحلم إلى سحر الإعجاب لمن شاهده.. أنت تحلم وأنا أحلم وربما حلمنا بنفس الحلم ولكننا نحكيه بطريقة مختلفة كل منا عن الآخر، ولهذا لا أرى أن في السينما تنافسا، فلكل إنسان رؤيته وبالتالي فالسينما بعيدة من وجهة نظري كل البعد عن التنافس ومحورها الابتكار.

كل دقيقة مكلفة في السينما، ونحن نحسبها بالورق، فلكل ورقة ولكل دقيقة مشهدية كلفتها ورقمها، ومشكلتنا تتأطر في التمويل.. قد نتنافس على التمويل، لكن الأهم بالنسبة لي هو التنافس الأخلاقي.

التنافس‭ ‬الأخلاقي‭.. ‬كيف؟

بين يدي مادة كتبتها وتتوافر كل مقومات نجاحها إن حولته إلى فيلم، لكن الوقت لم يحن بعد أو لم أتمكن من تنفيذه، فيما أرى مخرجًا آخر بدأ في عمله على أرض الواقع وأتمنى له السعادة.. إذًا التنافس الأخلاقي الذي أراه هو التنافس الودي المملوء بالغبطة وأنا مع هذا التنافس، وضد التكسير والحقد، وأكرر أننا جميعًا نحلم، وحلمي ربما لا يشابه حلمك ولكن لا أنافسك في الأحلام والإبداع فلكل منا مساحته وأرضه ليحلق فيها مع الآخرين في أجواء السينما، وأضيف أيضًا أنني ضد "التصنيف".. تصنيف الإبداع! فالإبداع ليس له هوية محددة والمبدعون في كل مكان وزمان وفي أي بقعة في هذه القارات يمتلكون القدرة الخلاقة، ونحن في العالم العربي "ورثة حضارة"، ومثلما نورث بشرتنا ولون عيوننا وشعرنا نورث حضارة أيضًا، إنما تكاسلنا في المضي في ركب القافلة بدليل أن الأسماء العربية على مدى التاريخ أبدعت في العلوم والفنون وفي كل مجالات المعرفة، وحتى لا نذهب بعيدًا لتوضيح الفكرة، أضرب مملكة البحرين كمثال، فعندما أنظر شخصيًا إلى برنامج سمو ولي العهد للمنح الدراسية، وحين يتم ترشيح عشرة من الشباب لهذا البرنامج، فإن أكبر جامعات العالم تتمنى أن يلتحق بها المتفوقون من أبناء البحرين رغم صغر مساحتها وتعداد سكانها، فعشرة من المتفوقين يمثلون إرثًا حضاريًا.

 

إذًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬جاءت‭ ‬"رؤية‭ ‬الوعد‭.. ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد"؟

حينما بدأت العمل في فيلم "رؤية الوعد"، لم أكن أعرف عن البرنامج الكثير، ولكنني حين درست الفكرة وتعمقت فيها وبدأت في كتابة النص ومضينا في العمل، وجدت من بين الفريق وهم من خارج البحرين يقولون: "يا ليتنا كنا بحرينيين"! فقلت لهم: "لو كنت مولودة في البحرين لكنت الآن حققت حلمي الذي أطفأته.. أي حلم أن أصبح رائد فضاء بعد أن أحصل على منحة البرنامج.. هكذا برنامج يجعلك قادرًا على تحقيق حلمك".

إذن، عودًا على بدء، أقول فيما يتعلق بورث الحضارة، والمثال سقناه عن البحرين، إن في هذه الأرض الصغيرة مبدعين وطلاب علم وطبقة ذكية من أبنائنا والإبداع لا يتوقف، فورثة الحضارة هم من يملكون الإبداع.

يأخذنا‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬إلى‭ ‬أثر‭ ‬القراءة‭.. ‬ما‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬اهتمامك‭ ‬وتحبين‭ ‬القراءة‭ ‬فيها؟

لدي مبدأ منذ كنت في الثالثة عشرة من العمر وأنا اليوم في السادسة والأربعين، وهذا المبدأ أحاول تعليمه لبناتي، واكتشفت من وجهة نظري أن هذا المبدأ صحيح، ألا وهو أنه ليس المهم عندي قراءة الكتاب أو المجال أو المؤلف أو الكاتب الذي أحبه، بل المهم أن أقرأ النص أو الإصدار أو المادة التي لا أحبها حتى أتوصل إلى نتيجة تجيب على سؤالي: "لماذا لا أحبه؟"، وأحدد ذلك بعد أن أنتهي من القراءة وأصدر حكمي؛ لأن العقل أداة تطويع ولابد أن أقرأ ما لا أحب حتى أكون منصفة في حكمي وهل كنت على صواب أم خطأ ذلك؛ لأن الإنسان عدو ما يجهل، ومنذ عمر صغير برمجت نفسي على أن أكون من أصحاب هذا الفكر كقارئة متنوعة.

وأي‭ ‬مجال‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬تميلين‭ ‬إليه؟

بشغف، أحب القراءة في التاريخ والأساطير والحضارات الإنسانية وكذلك التاريخ الإسلامي.. في قراءتي للحضارات الإنسانية أتعمق في تفاصيل الحضارات ومعيشة أهلها وحياتهم الاجتماعية وملكاتهم، فقراءة الرقيمات والنقوش الحجرية والنصوص فيما متعة، وخذ أيضًا أن تلك المواد يقرأها الكاتب بشكل مختلف عن قراءة الجيولوجي وبشكل مختلف عن قراءة المؤرخ ثم خيالك أمام النص "يقرأ أيضًا"!، فهذا نطاق قراءة حر وغير مؤطر، ومن هنا أحب القراءة في الفلسفة والديانات، وأنا من عشاق الحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي وفنونه من هندسة وعمارة وعلوم، وفي الواقع، لا أحب الطابع الحزين من الكتابات..

 

مثل‭ ‬أي‭ ‬طابع‭ ‬حزين؟

لا أحب قراءة رواية، على سبيل المثال، نهايتها حزينة! فأنا في هذا العمر أريد أن أعطى عقلي متعة المعرفة وأصقل قلبي في مدى جمالها ولست أريد عبء المتاعب.

نستدرك‭ ‬هنا‭ ‬لنسأل‭.. ‬لماذا‭ ‬اخترت‭ ‬التخصص‭ ‬في‭ ‬"علم‭ ‬الاقتصاد"؟

في التاسعة عشرة من عمري، وكنت في سوريا حينها، اجتزت البكالوريا الدولية في المجال العلمي، وهي درجة معترف بها آنذاك، ووفق معدلاتها يتم اختيار التخصص الجامعي، ولأنني في المجال العلمي لم أكن أرغب في دراسة الطب وأرى التشريح والدم وما إلى ذلك، فمن يجتاز البكالوريا العلمية يتجه لدراسة الطب أو الصيدلة أو الهندسة، وكان هاجسي هو دراسة السينما، مع أنني منذ صغري أحلم في أكون رائد فضاء وأطفأت هذا الحلم لأنني "بنت المنطق"! هذا الحلم قد يكون قابلًا للتحقق لبنت في مثل عمري في أميركا أو روسيا لهذا لم أجعل هذا الحلم يكبر معي ووضعته في خانة المستحيل في ذلك السن.

أعود إلى قشرة الجوز وأنا في سن الخامسة وأرفدها بأفكار أخرى.. تلك الجوزة بعالمها ومظهرها نسج منها عقلي حكاية.. حين كنت أغفو وأنام على حكايات جدتي ووالدتي لا تنقطع الحكاية مع نومي.. فعقلي يواصل تصور الزمان والمكان والأشخاص حسب إيحاءات القصة، فعلمت أن لدي ملَكة الخيال المجنح على شكل صور.. فمن خلال صوتك قد أرسم لك صورة ربما تكون طبق الأصل وربما لا! فطريقة تفكيري بالعقل الصوري هي عقلية مخرج.. أعود إلى حصولي على البكالوريا حيث أخبرت والدي حينذاك بأنني أرغب في دراسة الإخراج، وكان لدينا في سوريا معهد للمسرج والتمثيل لكن ليس للسينما، وعائلتي في الواقع كانت داعمة لرغبتي أي أنني كنت أقف "على صخرة" بثبات.. ضحك والدي وقال: "يا ابنتي.. تخصصي في مجال يطعمك.. أما الإخراج فادرسيه عند زوجك".

على أية حال، أنا أستند في تفكيري وتخطيطي إلى المنطق وأفكر في الاحتمالات وهذه ميزة، حيث أسأل إذا فعلت هذا ماذا ستكون النتيجة؟ وليس من الصحيح أن تضيع جهدًا، وخلاف الطب والهندسة والصيدلة، اخترت الاقتصاد والتحقت بجامعة دمشق.. لكن، دارت عجلة الزمن.

 

هنا‭ ‬بيت‭ ‬القصيد‭.. ‬كيف‭ ‬دارت؟

زوجي البحريني قلبًا وروحًا هو محور عجلة الزمن بالنسبة لي.. في العام 2007 شاهدت معه أحد الأفلام وأخبرته بأنني أستطيع إخراج هذا الفيلم بطريقة أفضل وأجمل، وكان رده: "من صغرك كان حلمك رائد فضاء ولم أعرف أنك تحلمين بأن تصبحي مخرجة.. إذًا، إدرسي الإخراج"! وكان ردي لزوجي العزيز (سامر): "أخجل في هذا العمر"، لكن تفاجأت بزوجي وابنتَي يهدوني رسالة انتساب لأكاديمية نيويورك للأفلام، ومن شدة فرحي بكيت، وأعدت القول بأنني أخجل من الدراسة مع طلبة في عمر عيالي، لكنهم أصروا وأعادوا الكرة بطلب مدفوع الأجر غير مرتجع فوضعوني أمام الأمر الواقع، حتى أن زوجي قال: "اذهبي وجربي فترة من الزمن، فأنت مخرجة بالفطرة.. إما أن ينطفئ هذا الحلم كما انطفأ حلم رائد الفضاء وإما أن يتحقق حلم المخرجة".

وبالفعل كان ما كان وذهبت إلى أميركا للدراسة، ولا أخفيكم القول إنه في أول شهرين من الدراسة نسيت نفسي في أستوديوهات الإخراج وصناعة السينما، وكانت أسرتي تزورني بين حين وآخر حتى تخرجت في العام 2011.. لقد دخلت عوالم أنتمي إليها بعقلي وروحي جردتني هذه العوالم من العالم الحقيقي، فقد وجدت ضالتي وولد المخرج الفطري بداخلي من جديد.

مهلًا‭ ‬دكتورة‭.. ‬هلا‭ ‬أخبرتنا‭ ‬عن‭ ‬أبوظبي‭ ‬وعرض‭ ‬أستاذك‭ ‬في‭ ‬الأكاديمية‭ ‬البروفيسور‭ ‬نورمان‭ ‬ستشوارتز؟

في ذلك العام، كان الانتقال إلى أبوظي بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث حصل استاذي نورمان على عرض ممتاز للعمل في فرع الأكاديمية هناك، وعرض علي أن أكون معه، وهي فرصة لأن أرى أسرتي كل خميس وجمعة حيث المسافة أقرب بلا شك، بل والأجمل أنه ضمن منهجنا الدراسي أن نقدم فيلما كل عام حسب طلب البروفيسور، ورشح أستاذي أحد أفلامي لمهرجان أبوظبي السينمائي ومن حسن الطالع أنه فاز بجائزة اللؤلؤة السوداء.

 

لا بد من أن أقول إنني مدينة لأستاذي، وللعلم، هو أستاذ كبير وعضو فخري في أكاديمية نيوريورك، عمل مع المخرج ستيفن سبيلبيرغ وتتلمذ على يديه ممثلون كبار مثل بين أفليك وليوناردو دي كابريو وغيرهم، حتى أن أستاذي نورمان أخبرني أنني أمثل امتداده في الوطن العربي كثمرة دراسة السنوات الخمس، وكان يقول "أردت أن أثبت لك أنك وأنت طالبة.. أنت مخرجة.. ها نحن أمام جائزة في مهرجان كبير وأحرزت الفوز".. في الحقيقة كانت تلك اللحظة من أسعد لحظات حياتي، فمذاق الجوائز التي أحرزتها يرضيني ككاتبة ومخرجة تصبح أعمالي في الصف الأول.. فيلم "سارق النور" أحرز 188 جائزة.. فيلم "ربيع مر من هنا" أحرز 44 جائزة.. فيلم "رؤية الوعد..سلمان بن حمد" أحرز حتى الآن 28 جائزة عالمية في مهرجانات الأفلام الوثائقية.

 

دعينا‭ ‬نرتاح‭ ‬قليلًا‭ ‬ونسافر‭.. ‬ما‭ ‬المدن‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬قلبك؟

أحب السفر وأعشق كل مدينة على هذه الأرض، ولأنني أؤمن بالفلسفة، أرى لكل مدينة روحا.. فحين تطرق باب مدينة ثم لن تحبها فروحها سترفضك أو تعذبك، أما المدن التي تذهب إليها بحب، ستراها تفتح لك أبوابها، ولهذا ليس هناك بلد أحبه أكثر من الآخر أو شعب أكثر من شعب.. أكرمني الله سبحانه وتعالى وزرت أماكن كثيرة في هذا العالم من فيتنام إلى كمبوديا إلى اليابان وغيرها، وفي كل مرة أرى أن هذا البلد جميل أكتشف بأنني جاهلة، فكل بلاد الله جميلة وكل شعب الأرض كرام.. سافرت حتى الشفق القطبي والنرويج وألاسكا وكلها نعمة، حتى توصلت إلى قناعة بأنه ليس هناك بلد أجمل من بلد، بل عليك أنت أن تستكشف.. وكلما اقتربت من الشعوب والبلدان ستشعر بسعادة أساس "بني آدم الطيب"، وحين تتواضع وتتواصل مع الأجناس الأخرى ستلقى الأبواب تتفتح بالحب، ولن تحتاج إلى لغة وترجمة فالأوطان ترحب بمن يحبها.

 

مسك‭ ‬الختام‭.. ‬ما‭ ‬الثمرة‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬المسيرة؟

أنا في محيطي.. كامرأة عربية خليجية بحرينية.. وأفخر بأنني بحرينية ونجحت وأنجزت ومدينة في نجاحاتي لابن البحرين.. درست الإخراج بدعم زوجي البحريني، وهذه ليست "زعبرة" بل قصة نجاح.. لم أدرس الإخراج في سوريا في كنف والدي بل في كنف زوجي، وهذه السعادة التي تتوج تعبي واجتهادي لسنين طويلة.. إنه تتويج يدعو للفخر.