العدد 2763
الأحد 08 مايو 2016
banner
معلم يرفض التكريم
الأحد 08 مايو 2016

قصّة معلم ينتمي إلى إحدى البلدان العربية تم تداولها عبر موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” على نطاق واسع رفض حفل تكريمه. أما الأسباب التي أملت عليه اتخاذ القرار فجاءت من خلال كلمة القاها في حفل تكريمه من قبل الأسرة التعليمية المتكونة من اساتذة ومعلمين وتربويين ومسؤولين بالمنطقة التعليمية التي ينتسب اليها، وأبكت الجميع.
استهل المعلم كلمته بالقول: ألتمس منكم الإصغاء إليّ ومنحي بعضا من وقتكم الثمين لموظف يعيش آخر ساعات انتسابه لوزارتكم الموقرة. أنا.. البالغ من العمر 63 سنة والمتزوج، أب لأربعة اطفال من ابناء هذا الوطن. أصرّح وأنا ببعض قواي العقلية التي احتفظت بها قسرا سنوات خدمتي الفعلية الطويلة داخل الفصل أنني أرفض هذا التكريم الذي تفضلتم وتكرمتم بإقامته لشخصي.
 نعم لست بحاجة أيها السادة الى تصفيقاتكم وأنتم تحتجزونني هذا المساء داخل القاعة كبهلوان عجوز تعلقون على صدره أوسمة رخيصة وتغدقون عليه بكلمات معلبة معدة بشكل رتيب لكل مناسبة تسكتون بها موظفيكم كلما حان أجل احدهم ليسلمكم مفاتيح فصله ويستدير الى ما تبقى من عمره متواريا عن انظاركم الى الأبد.
 هل غاب عن ذهنكم هذا الجسد الضامر المتهالك، تسكنه روح يعيش بها وذاكرة طالما اختزلت ويلات السنين، وظلمات الشقاء والبؤس. كنت سأفرح بتكريمكم وأنا أشتغل سنوات بانتظار الأجرة، حتى اشتكاني البقال الى المخفر لكثرة ديونيّ، كنت سأفرح بتكريمكم لي وأنتم ترسلون اليّ مديراً يجتهد فقط بتبليغكم أيام عجزي ومرضي وإحصاء كل كبيرة وصغيرة دون أن يمدني يوما بتشجيع لقاء كدي وجدي في سبيل تحصيل التلاميذ.
كنت سأفرح بتكريمكم وأنتم تبعثون اليّ مفتشا ببذلة وربطة انيقة، ليسخر من أحواليّ ويحاسبني على تطبيق مستجدات التدريس داخل فصل طاولاته وحيطانه آيلة للتهاوي على رأسي ورؤوس تلاميذي. كنت سأفرح بتكريمكم وأنا أدّرس خمسين تلميذا داخل فصل واحد وما إلى ذلك مما تجتهدون فيه للردّ على مطالبنا. كنت سأفرح بتكريمكم يوم سقطتُ مغمى عليّ اثر مرض مزمن بعدما ضاق السيد النائب بمراسلاتي. كنت سأفرح بتكريمكم ولوائح الترقية تطالعني كل سنة بجدول خالٍ من اسمي.
نعم أيها المحترمون كنت سأفرح بهذا التكريم خلال تلك السنوات المديدة المريرة التي خلفت ما خلفت على تجاعيد وجهي وعظام جسدي وأكوام مكدسة من الأحزان داخل صدري المنهك بالربو والسعال الآن. ولم يكن يزيدني اصرارا وتمسكا بالحياة غير شرطي يستوقفني بالطريق مذكرا اياي انه كان ذات يوم أحد تلاميذي أو ممرض لم ينس جهدي معه وهو تلميذ.
 لكل هذه الأسباب ايها السادة اعتذر عن قبول التكريم هذه الليلة وأطلب منكم فقط أن تفسحوا لي طريقا بالخروج من هذه القاعة التي خنقتني – أنا المعاق ذو العكازين – وأنصرف الى حال سبيلي مستميحكم عذرا على الأخذ من وقتكم لسماع أساطير شيخ في أراذل عمره... والسلام.
إنّ قصة المعلم السالفة بكل تفاصيلها تكاد تكون نسخة مطابقة لما يكابده المعلمون في كل البلدان العربية. ومن قُدّر لهم أن يقضوا شطرا من اعمارهم في سلك التعليم فإنّهم بلا شك يشعرون بكل حرف تضمنته سيرة المعلم. ما يتعرض له المعلمون من غبن وظلم لم يعد وقفا على جهة دون غيرها، ولسنا بحاجة الى التذكير بما يلحق بالمعلمين من اتهامات لا تمت الى الواقع بأدنى صلة، إذ نكتفي بما نعتهم به أحد الكتّاب ذات مرة وقبل اشهر بأنّ المعلمين لا يحملون في قلوبهم ذرة من الرحمة ولا الشفقة تجاه طلابهم الأبرياء، ولا يتورعون عن إيذاء طلبتهم بأبشع الأدوات الوحشية (الهوز)!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .