العدد 2765
الثلاثاء 10 مايو 2016
banner
المرأة في القرية والموروث الثقافي
الثلاثاء 10 مايو 2016

وطننا زاخر بالمواهب ممن ملأوا سماءنا إبداعاّ وعطاء في كل حقول الأدب والفنّ، ومحزن أن تبقى هذه المواهب مغمورة. مناسبة هذا الحديث ما فاجأتنا به احدى الكاتبات البحرينيات، الأستاذة أمينة الفردان من بحث متميز تحت عنوان “الأنثى والموروث الثقافيّ القروي”، استغرق من وقتها زهاء سبع سنوات حتى تمكنت من إنجازه مؤخراً.
لابد أن يتساءل القارئ، ما الهدف الذي يرمي اليه جهد استنزف كل هذه السنوات من عمر الباحثة؟ إنّ الأهمية التي تنطوي عليها مثل هذه الابحاث الانثربولوجية الفلكلورية حول المجتمعات الخليجية نظرا لندرة مثل هذه الدراسات من جهة لتعطي توصيفا دقيقا للحياة التي عاشها الأجداد والجدات من الجهة الأخرى. وكما أشارت الباحثة الى أنّ دراسة التاريخ تعرّف الأمة بذاتها وتكشف عن هويتها وتبث الوعي فيها.
 التغييرات التي طرأت على مجتمعنا والتبديلات لم تكن مقتصرة على مجتمع الرجال وحدهم بل إنها ايضا طالت حياة الأنثى أيضا وهو ما كرست له الباحثة موضوعها ضمن دراستها لواقع الأنثى والموروثات الثقافية والقيمية. ولعلّ ما اكسب الدراسة قيمتها البالغة أنّها نقلت شهادات شفهية لتراث بقي مغيباّ وغير مدّون على مدى سنوات وكاد أن يصبح في طي النسيان لولا أن امتدت له يد الباحثة ورأت أنه من المهم حفظه وأرشفته للأجيال القادمة. سعت الى الالتقاء بكبار السن الذين يمثلون ذاكرة حية للتراث ومن الجنسين بعد أن رحل البعض من هؤلاء وتم توثيق شهاداتهم.
وبالرغم من أنّ الباحثة أمينة الفردان اختارت لدراستها قرية كرزكان ميدانا للبحث ونمودجا إلاّ انّ المدقق في فصول الكتاب يمكنه ان يلحظ دون اي عناء انه ينطبق تماما على سائر القرى في البحرين للتشابه الكامل في ظروف الحياة وأيضا لصغر مساحة البحرين من الناحية الجغرافية وقصر المسافة بين كل قرية وأخرى.
الكثيرون يخلطون بين مفهومين شائعين ومتداخلين الى حد كبير ونعني بهما “الريفية” “والقروية” غير انّ الباحثة وعبر سبر للمصادر الدقيقة الاجنبية بالتحديد استطاعت ازالة اللبس وتوصلت الى انّ ثمة فرقا يتمثل في انّ الريفية تطلق على المناطق العاملة في الزراعة في المجتمعات المتقدمة صناعيا اما القروية فإنّها طبقا لمصادر الباحثة فإنها تطلق على نفس المناطق لكن في الدول النامية. ورغم التشابه بين المجتمعات القروية في العديد من اجزاء العالم الاّ انّ الاختلاف يكمن في عوامل التغير وربما في سرعتها ايضاً. والذّين قُدّر لهم أن يعاصروا ولو بضع سنوات من الحياة التي عاشها الآباء والأجداد فإنّ بمقدروهم أن يلمسوا انّ جملة من التحولات والتغيرات على حياة الانسان وبالأخص المرأة بل يمكننا القول انّ هذه التغيرات مثلت نقلات حضارية سريعة.
 لعبت الثروة النفطية دورا رئيسيا ومهما في عملية التغيير الاجتماعي. وطبقا لما ذكره الدكتور محمد الرميحي في كتابه الصادر قبل ثلاثة عقود عن انّ التغير لا يمكن ان يكون خارجياً اي بعوامل خارج المجتمع وهو كذلك بعوامل داخلية فقط إذ انّ التغيير عملية ديناميكية أو بالأحرى مجموعة الدوافع الداخلية والخارجية بتفاعلها تنتج عملية “التغير الاجتماعيّ”. اما الباحثة الفردان فإنها توصلت عبر دراستها الى انّ اكتشاف النفط احدث تحولا اكبر في حياة كل البحرينيين وخصوصا القروية وفي مذكراته يتحدث بلجريف مستشار حكومة البحرين سابقا عندما بدأ اكتشاف النفط لم يهتم المجتمع البحريني بقدوم شركة النفط اليه، بيد أنّ الحدث الأهم في هذه المرحلة هو خروج الأهالي من قرية كرزكان كما غيرها من القرى البحرينية الأخرى للعمل في بابكو.
 كانت المرأة القروية مشاركة فاعلة جنبا الى جنب الرجل في جميع الميادين حسب اعراف المجتمع لم تمنعها انوثتها من الانخراط في الاعمال التي يمارسها الرجل. وكما تروي احدى الشاهدات على تلك المرحلة انها كانت تتسلق النخلة من اجل تنظيفها وقطف الرطب. وتميزت النساء بالشجاعة اذ تذكر إحدى نساء قرية كرزكان انها كانت تتصدى بنفسها للغزاة القادمين من جهة البحر، باتجاه المزارع مستخدمة بندقية زوجها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية