العدد 2765
الثلاثاء 10 مايو 2016
banner
البحرين وعُمقها العربي والإسلامي
الثلاثاء 10 مايو 2016

ليس من السهل أن تكتب التاريخ، ولكنه ليس صعبًا، فكتابة التاريخ تحتاج إلى مقومات وشروط، من بينها الأمانة والصدق والبحث الجريء عن الحقائق، والغرض الذي من أجله كتب التاريخ. وكلما ابتعد كاتب التاريخ عن الروايات الباهتة والمُلفقة كلما كان صادقًا، إن التاريخ هو السجل الزمني للوقائع والأحداث يشاركَ فيه الحجر والبشر. والبحرين هذا البلد الصغير جغرافيًا إلا أنه حافلٌ زاخر بالأحداث التاريخية، فيه سهمٌ وافر من السياسة والثقافة والدين والأدب، والكثير من العلوم المفيدة، تاريخ البحرين جملة من الأحداث والأعمال الجليلة صنعها أجدادنا النبلاء، وما تم تدوينه اطلعنا عليه وقرأناه، وهو ميراثنا لكل الآتين من بعدنا، إنه ميراث يحوي على القصص المشهورة والحِكم المروية وأحاديث ووقائع يُطرب السامع لسماعها ويُعجب المُطلع على أحداثها، دونت في العديد من الكتب بدقة وبأحسن التعابير، وتم وصفها بفطنة نادرة وأساليب رائعة. ولأجل أن تكون الأمة في يقظتها يُكتب التاريخ، ولأجل أن لا تخطو هذه الأمة نحو الفناء يُكتب التاريخ، فالتاريخ هوية الأمة وعنوان مجدها ومرفأها في الحياة وميراثها لإنسانها.
لقد كتب العديد من الرواة والباحثين والمؤرخين والمؤلفين الكتب والمجلدات عن البحرين تاريخًا وإنسانًا، وأحد هذه الكتب (البحرين وعُمقها العربي والإسلامي، من الغزو البرتغالي حتى استقلال البحرين، للفترة 928 ـ 1391هـ / 1521 ـ 1971م) للباحث والمؤرخ البحريني (الأستاذ راشد عيسى الجاسم)، الكتاب تمت طباعته في عام 2016م في مجلدين أنيقين. واستعرض المؤلف ما جاء فيهما في مجلس عائلة الدوي الكرام بحالة أبي ماهر بالمحرق في مساء يوم السبت بتاريخ 7 مايو 2016م بحضور عميد العائلة (الأستاذ إبراهيم بن يوسف أحمد الدوي) وجمعٌ من الحاضرين من أهل البحرين الذين استحسنوا ما جاء في الكتاب من المعلومات التاريخية المُذهلة عن بلادهم. وأبحر الحاضرون من خلال هذا السفر الجميل في تاريخ بلادهم، وتعرفوا من خلاله على الكثير من الوقائع والأحداث التاريخية من سياسية وأدبية، ثقافية وفكرية، ووقفوا بكل فخر وإباء أمام تلك المواقف الوطنية والقومية لأجدادهم النبلاء العظماء مع كل الأقطار العربية في قارتي آسيا وإفريقيا، مواقف بطولية تجسدت في البُعد القومي والإنساني للمواطن البحريني، مع أشقائه العرب وأقطارهم وحركاتها النضالية وأحزابها السياسية.
ومن خلال هذه الرحلة التاريخية في هذا الكتاب رأينا أن المواطن البحريني كان موجودًا في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر، في اليمن وعُمان وزنجبار، في العراق والأحواز وفلسطين وسوريا، في مصر والجزائر وليبيا وتونس والأردن والسودان والصومال وأرتيريا. كان البحريني هناك ناصرًا لقضايا أمته العربية وجودًا وصوتًا ومالاً، كان هناك مُعلمًا وكاتبًا ومُدربًا لعناصر الحركات المُسلحة الوطنية التي تقاتل المُستعمرين. لقد عرفنا من خلال هذا الكتاب الرائع والجميل الصفات الحميدة والمواقف الجليلة للبحرينيين الأوائل الذين أسسوا لنا هذه الدولة، كثيرة هي الأقطار التي وطأت أقدام البحرينيين فيها، فمارسوا فيها التجارة والتعليم والأدب والثقافة، وسجل هذا السفر الوطني والقومي المُتميز الكثير من تلك المواقف التي نسبت للبحرين بالمكان والتاريخ وبأسماء العديد من العلماء والأدباء والتجار والمثقفين، والسياسيين والعسكريين والمناضلين، هؤلاء وآخرون مارسوا أدوارًا مُتعددة وجمعهم في ذلك هدف واحد، وهو مناصرة الشقيق العربي إنسانيًا واجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا بما يَملكون من الإمكانيات المتاحة لديهم.
إن هذه المواقف الوطنية والقومية التي جُمعت في هذا الكتاب الجميل لكاتبٍ أجمل، تستحق التطلاع عليها، وهي تؤكد لنا جملة من الحقائق. الأولى ـ أن يتعرف المواطن على تاريخه الوطني والقومي وهو جزء لا يتجزأ من المواطنة والانتماء لبلاده. والثانية أن البحرينيين الأجداد أقاموا علاقات تاريخية وإنسانية مع الأقطار العربية والشعب العربي باختلاف دياناتهم من يهود ومسيحيين ومسلمين، وهذا هو منهج الشعب البحريني المتسامح ورسالته في التعايش مع الآخر منذ القدم وحاضره، وتتجسد في فكر ورؤية الإنسان البحريني بأن الإنسان هو الإنسان. والثالثة ــ أن النضال العربي القومي كلٌ لا يتجزأ، فما يحدث في الأحواز والعراق وسوريا وباقي الأقطار العربي نحسُ بألمه في البحرين، مما يوجب على أبناء البحرين والشعب العربي الدعم والنصرة لأشقائهم العرب. والرابعة ــ أن التاريخ العربي هو تاريخ مشترك فمصدر الاستعمار الغربي واحد وهدفه في أقطارنا كان واحدا، والمتضرر هو الشعب العربي.
إن أهمية هذا الكتاب بجزأيه في استحضار قراءة جديدة للتاريخ البحريني مع التأكيد على المعرفية بالتاريخ بتناوله الكثير من القضايا البحرينية من وطنية وقومية بالبساطة وبحس تاريخي وطني، مقترنة بالشواهد التاريخية في الأماكن والتواريخ والنتائج المتحققة منها. وهو في الحقيقة جُهد رائع يُشكر عليه كثيرًا. ونتمنى المزيد من مثل هذه العينة من الكتب التي تعنى بتاريخ وحضارة البحرين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية