العدد 2767
الخميس 12 مايو 2016
banner
أولئك الذين قالوا لا للملالي
الخميس 12 مايو 2016

“إن السجناء السياسيين الذين يتمسكون بمعتقداتهم يُعتبرون أعداء الله والإسلام ويجب إعدامهم على الفور”، بموجب هذه الفتوى للنظام الإيراني تمت محاكمة العديد من السجناء السياسيين صوريًا، حيث يكون فيها القاضي هو الجلاد، والحُكم جاهز للتنفيذ قبل بدء محاكمة هؤلاء المساجين الذين يدخلون في مرحلة أولى من التعذيب الجسدي والمعنوي في ظل نظام يدعي انتسابه إلى الدين الإسلامي.
عرضت قناة العربية التلفازية منذ أيام برنامجًا موثقًا بعنوان “أولئك الذين قالوا لا للملالي”، وهي عبارة عن محاكمة قانونية وحقوقية تمت في السويد، وتم عرضها في جزأين لجرائم النظام الإيراني منذ عام 1979م بحق المعارضين والنشطاء السياسيين للنظام الذي سرق الثورة من الشعب الإيراني وادعى بتفجيرها وقيادتها. وبالرغم من مرور 37 عامًا على وجود هذا النظام القاسي مازالت آثار جرائم اعتقال مَن قاموا وشاركوا بالثورة الإيرانية والرافضين لمنهج الملالي وديكتاتوريته تؤرق الناجين من نارهم، وذوي الضحايا الذين سالت دماؤهم تعذيبًا وقتلاً مازالوا يطالبون بالقصاص من تلك الشرذمة القاتلة المنتهكة للنفس الإنسانية. وضحية تلو الأخرى من الرجال والنساء أدلوا بشهادتهم لما جرى لبلادهم الإيرانية وأجسادهم التي عانقتها سياط الجلادين وأدوات تعذيبهم. أثناء الشهادة كانوا ينطقون بالحق المبين حول ما جرى لإيران ولهم، كانوا صادقين في القول لما فعلوه بهم، كلُ ذلك حدث باسم الإسلام وشريعته السماوية التي أمرت بالإحسان إلى البشر والطير والحجر.
ومن ضمن ما أكده أصحاب الشهادات من الرجال والنساء أنهم نفرٌ قليل من الذين نالتهم الاعتقالات الجهنمية والإعدامات الإجرامية، واستغل النظام الإيراني العدوان على العراق (1980م ــ 1988م) في طمر الحقائق والأدلة بحق ما فعلته أركانه بحق إيران وأرضها وشعبها وثرواتها. هذه الحرب التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين العراقيين والإيرانيين، وكانت الكثير من جثث المعتقلين والناشطين السياسيين المعارضين الذين تم إعدامهم تسلم إلى أهاليهم على أنهم “شهداء” في الحرب. هؤلاء الناجون وأقارب ضحايا مجازر الاعتقالات والإعدامات استطاعوا أن يؤسسوا “محكمة الشعب” التي استغرق تأسيسها خمس سنوات، وبعد سنوات من جمع الشهود والوثائق التي تدين ممارسات النظام الإيراني تمكنوا من عقد جلسة استماع أولى أمام محكمة في لندن في عام 2012م تمهيدًا لعقد الجلسة الأولى من محكمة الشعب في لاهاي في عام 2013م. وتشكلت هيئة القضاة والمدعين العامين من المحلفين وذوي الخبرة الطويلة في المحاكم الدولية (للجرائم ضد الإنسانية)، من بينهم (القاضي جوهان كريغلر أحد رموز تحرير جنوب أفريقيا، السير جوفري نايس المدعي السابق في قضية الرئيس الصربي الراحل ميلوسوفيتش).
لقد وثق فيلم محكمة الشعب التي حضرها ممثلون عن منظمات حقوق الإنسان الإيرانية والنواب والمسؤولون عن ملف إيران في البرلمان السويدي وعدد من ممثلي المنظمات الدولية إفادات (25) شاهدًا وشاهدة ممن سجنوا وعذبوا وممن فقدوا أقاربهم في سجون التعذيب والقتل والإعدامات، إنها ليست كل الشهادات وليس كل من حضر إلى هذه المحكمة هم من تعذب وقتل أحد أقربائه، إنهم نموذج مختصر لأولئك الذين طالبوا بحقهم في الحياة، وطالبوا بحقهم في ممارسة دورهم في الثورة التي هُم قاموا بها وسرقها الملالي منهم. لقد كان هؤلاء وغيرهم (الأموات منهم والأحياء) ضحية لفتوى قاتلة تصفهم بأنهم أعداء الله. والذين شاركوا في تنفيذ هذه الفتوى تم تكريمهم بالهبات والترقي في مراكز الحُكم ويشغل حاليًا أكثرهم مناصب رفيعة في إيران وخارجها، حتى أن بعضهم مع الأسف يُمثل النظام الإيراني في مؤتمرات حقوق الإنسان.
فيلم “أولئك الذين قالوا لا للملالي” الذي حاز على الجائزة الأولى في مهرجان براغ الوثائقي لحقوق الإنسان هو شهادة حق ضد نظام أهدر دم شعبه وثروات أرضه في سبيل إرضاء نزوات وشهوات لا أمر الله بها ولا رسوله، وثيقة تدين ممارسات النظام الإيراني بحق إيران أرضًا وشعبًا. لقد حث الدين الإسلامي على احترام النفس الإنسانية والحفاظ على وجودها الحياتي والعمل على تحسين مستواها الإنساني والمعيشي، وأجمعت كل العهود ومعاهدات الحقوق الإنسانية الدولية ومواثيقها على ذلك، إلا أن النظام الإيراني حاز على المركز الأول باقتدار في الإعدامات المستمرة ضد الناشطين السياسيين من أبناء الشعوب غير الفارسية وخصوصا عرب الأحواز.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية