العدد 2783
السبت 28 مايو 2016
banner
إنسانية واحدة ومسؤولية مشتركة
السبت 28 مايو 2016

في مدينة اسطنبول بتركيا تم تنظيم مؤتمر (القمة العالمية للعمل الإنساني) بمساهمة (23000) مساهم من جميع أنحاء العالم من أجل وضع برنامج للعمل الإنساني للسنوات القادمة. ومن المحاور التي تمت مناقشتها صحة الإنسان والعوامل المؤثرة عليها وتداعياتها على الإنسان، كالكوارث الطبيعية المهلكة والأمراض الفاتكة والنزاعات المسلحة من حروب ونزاعات عسكرية لا يمكن التقليل من آثارها السلبية على الإنسان بعد أن تم حصر أكثر من (80) مليون شخص في العالم تضرروا من هذا الثلاثي الفتاك ووجب على العالم أن يُقدم ما يستطيع للتخفيف من آلامهم وتجفيف ما يمكن من دموعهم.
كان من المفروض أن تخدم التقنية الحديثة والتكنولوجيا المتطورة الإنسان وتوفر له ما يرغب من أشكال متنوعة من البهجة والحياة الجميلة، ولكن حدث العكس من ذلك، لقد جلبت التقنية المتطورة الموت والدمار للإنسان، لم تستطع هذه التقنية أن توقف لعبة الموت التي تمارسها الطبيعة على الإنسان ولا أن تشفي عليلاً من ألم أمراض العصور القاتلة، ولم تستطع أن تقف في وجه قاذفات الموت العسكرية التي تجتث وجود الإنسان من على أرضه. على هذه الأرض التي خُلقت من أجل الإنسان ومن أجل أن يعيش على ترابها في أمنٍ وسلام. وفي هذه القرون العصرية الحديثة نراه يهرب من أرضه مذعورًا من الأمراض، ولاجئًا يبحث عن مأوى إليه بعيدًا عن النزاعات العسكرية التي لا تنتهي ولن تنتهي. والفتك لم يُلاحق فقط المصاب بل نال العاملين في مجالات الإنقاذ الإنسانية. هذه الأزمات الصحية والصراعات العسكرية والكوارث الطبيعية شكلت هاجسًا بشريًا تداعت له الإنسانية بالعمل من أجل تخليص الإنسانية من آلامها وتداعياتها، وليس المطلوب عملاً فرديًا بل جماعيًا، فالأمراض تصيب كل البشر ونيران الأسلحة تفتك بالجميع، كبيرًا وصغيرًا، رجالاً ونساءً، فالفتك لا يعرف الاختيار والانتقاء بين هذا وذاك. وأمام هذا التحدي الكبير كان لابد من استجابة جماعية لذلك التحدي، من جانب الدول والشعوب والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية من أجل التأهب على جميع المستويات. وأيضًا نحتاج إلى إدارة صادقة ونزيهة لهذه المخاطر التي تحدق بنا من الجهات الكونية الأربع.
وتم تنظيم هذه القمة التي شارك فيها (60 رئيس دولة أو حكومة، أكثر من ستة آلاف من المسؤولين من قادة المجتمعات المحلية المتضررة من الأزمات، رؤساء تنفيذيون من القطاع الخاص، رؤساء المنظمات المتعددة الأطراف والمنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية، ممثلو الشباب والمجتمع المدني والشتات، أجهزة التنسيق المدني والعسكري والأوساط الأكاديمية) بمبادرة من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون  ويشرف عليها المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من أجل تحقيق إصلاح جذري لطريقة التعامل مع الكوارث والأزمات التي يتعرض لها الإنسان على الأرض، واعتماد استراتيجية جديدة تقوم على الاستعداد للأزمات والكوارث والاستجابة لها، خصوصا في وقت تزداد فيه الإصابات والوفيات من الأمراض الفتاكة وما تعانيه بعض الشعوب من التهجير من مناطقها بسبب الصراعات وأعمال العنف التي تتسبب بنحو (80 %) من الأزمات الراهنة، إضافة إلى معاناة الملايين من البشر من تداعيات ومساوئ الكوارث الطبيعية والأوبئة التي تكلف الاقتصاد العالمي أكثر من ثلاثمئة مليار دولار سنويًا. وتم تحديد ثلاثة أهداف ينبغي تحقيقها في هذه القمة هي: تأكيد الدعوة إلى عملية تغيير جوهري لإعادة تأكيد التزامنا بالإنسانية. المبادرة باتخاذ إجراءات وتقديم التزامات تمكن البلدان والمجتمعات من الاستعداد للأزمات والتصدي لها، والتمتع بقدرة أكبر على امتصاص الصدمات. تقاسم الابتكارات وأفضل الممارسات التي يمكن أن تساعد على إنقاذ الأنفس في جميع أنحاء العالم، ووضع السكان المتضررين في مركز القلب من العمل الإنساني والتخفيف من المعاناة.
ووضع الأمين العام خطة عمل من أجل الإنسانية تحدد الإجراءات الرئيسية والتحولات الاستراتيجية اللازمة للنهوض بالمسؤوليات الإنسانية وتحقيق أهدافها في نماء الإنسان وازدهار الأوطان. وانتهت القمة وصمتت نقاشاتها، وغادر المشاركون إلى بلادهم، فهل سيعمل الجميع على تحقيق أهداف ما أتوا إليه؟ أم ستكون فقط قمة كلامية ومخيبة للآمال؟ وهل سيستجيبون لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة الذي اختتم القمة قائلاً “أدعو كلاً منكم إلى المزيد من الالتزام”؟ وعلى الرغم من أن بعض المنظمات النشطة في العمل الإنساني لم تحضر هذه القمة باعتقادها (عدم جدواها)، إلا أن مجرد الالتقاء حول مائدة للنقاش بشأن مواضيع تتعلق بالإنسانية والضعفاء والمنكوبين في العالم تعتبر خطوة إيجابية وجيدة. نتمنى أن لا يبقى ما تم مناقشته والاتفاق عليه مجرد حبر على ورق.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .