العدد 2789
الجمعة 03 يونيو 2016
banner
التربية الإعلامية
الجمعة 03 يونيو 2016

تشهد الساحة الإعلامية تطوّرًا علميًّا وتكنولوجيًّا مذهلاً في شتى وسائل الاتصال، بالدرجة التي بات فيها هذا الإعلام مسيطرًا على العالم بأفكاره ورسائله ومضامينه، ومربيًّا ومعلمًّا بوجوه كثيرة وأساليب متغيرة ومبتكرة يتجاوز بها الزمان والمكان، وهو ما يستوجب ضرورة الارتقاء بالوعي بصفة مستمرة، وبما يواكب الواقع الإعلامي المعاصر‏، خاصة في الفضائيات والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، كما يفرض إرساء قواعد وآليات للتعامل مع ما يقدّم عبر الإعلام، وذلك حفظًا للبناء القيمي والأخلاقي للمجتمع، وحماية لأعرافه وتقاليده وقوانينه.
من هنا، تأتي أهمية التربية الإعلامية لمواجهة هذا الغزو الحاصل للعقول، فهي إحدى الوسائل المهمة لحماية المجتمع خصوصًا الشباب والمراهقين ـ وهم الأكثر عرضة وتأثرًا بالإعلام ـ من التأثيرات السلبية للرسائل الضخمة المنقولة إليه.
من حيث التعريف، وبكلمات سهلة، فالتربية الإعلامية هي مهارة التعامل مع وسائل الإعلام، وقد خلص مؤتمر فيينا عام 1999م، الذي عقد تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، وشارك فيه عشرات الخبراء من أنحاء مختلفة من دول العالم، إلى أن التربية الإعلامية تختص بالتعامل مع كل وسائل الإعلام الاتصالي التي يتم تقديمها عن طريق أي نوع من أنواع التقنيات، وأنها تمكن أفراد المجتمع من الوصول إلى فهم لهذه الوسائل والطريقة التي تعمل بها، ومن ثم تمكّنهم من اكتساب مهارات استخدام وسائل الإعلام للتفاهم مع الآخرين.
إذن، التربية الإعلامية تمكّن من فهم النصوص الإعلامية وأهدافها والسياق الذي ظهرت فيها هذه النصوص الإعلامية، وتساعد المتلقي خاصة فئة الشباب لتكون على علم بكيفية صناعة إعلامهم الخاص واختيار وسائل الإعلام المناسبة لتوصيل رسائلهم الإعلامية التي يريدونها.
منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” تعتبر التربية الإعلامية حقًّا من حقوق كل مواطن في أي بلد، وتوصي بضرورة إدخال التربية الإعلامية ضمن المناهج التربوية الوطنية، والتعلم مدى الحياة.
وتتباين الدول في كيفية التعامل مع التربية الإعلامية، ما بين دول رسخت نظامًا محدّدًا ووضعت أسسًا للتربية الإعلامية ومناهجها، وأعدّت لهذه المهمة الأدوات اللازمة من معلمين مؤهلين ومصادر تربوية، مثل كندا، ومعظم دول أوروبا، إلى دول تهتم بالتربية الإعلامية على الصعيد المدرسي ولكن دون انتظام مثل إيطاليا، إلى دول تقتصر في التربية الإعلامية على الندوات والمحاضرات كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية.
ونحن في المملكة نحتاج مثل هذا الفكر وهذا العلم لأن يدخل في مناهجنا الدراسية، حيث يأتينا الإعلام بأشكاله وقنواته بمواد وأخبار ورسائل يغلب عليها الرديء ويتوارى فيها الجيد، ما يفرض ضرورة الإسراع في اتخاذ كل المبادرات التي من شأنها حماية الشباب الذي يتعامل مع هذه الأخبار ويعد الجمهور الرئيسي والهدف الأول للرسائل والمواد الإعلامية التي تنقل إلينا.
لو كان هناك علم أو ندوات وورش عمل تربّي أو تضع أسس التربية الإعلامية فنستطيع أن نحد من تأثير هذه الأخبار السيئة على فكر شبابنا، لأن تعلم مبادئ التربية الإعلامية يساعد على فهم أفضل وتعامل واع مع المضامين الإعلامية‏، وتجعله قادرًا على تكوين الأحكام الذاتية التي تمكّنه من مواجهة وسائل الإعلام في أي مرحلة من مراحل حياته.
جزءٌ من المسؤولية في مواجهة ما يمكن تسميته بالطوفان الإعلامي الذي نشهده ولا يمكن أن نتحكّم فيه أو نلجمه لأنه يحاصرنا من كل مكان، يقع على وزارة التربية والتعليم، بأن تقوم بدور مهم من خلال توفير منهج دراسي لتزويد الطلاب بالمهارات اللازمة للتعامل مع وسائل الإعلام، كأن يتم إصدار كتاب خاص بالتربية الإعلامية واستثمار تقنيات الاتصال والإعلام في إعداد مناهج دراسية متكاملة لجميع المراحل وتدريسها بأسلوب مناسب.
ويجب أن تتعاون مع وزارة التربية والتعليم في إنجاز هذا المشروع الوطني المهم مؤسسات أخرى كوزارة شؤون الشباب والرياضة ووزارة شؤون الإعلام لكي نضع أُسُسًا قوية للتربية الإعلامية، ونعلم أنفسنا وشبابنا هذه الأسس، متمنيًّا في القريب العاجل أن نرى بعض الأنشطة والتحركات التي تجعلنا قادرين على استخدام وسائل الإعلام لتحقيق منافع تربوية ملموسة، كوسيلة تعليمية، وبما يحمي شبابنا من المخاطر التي استحدثتها تقنيات وسائل الإعلام، وتمكين هؤلاء الشباب ليس فقط من حسن التعامل معها، بل والمشاركة فيها بصورة فعالة وإيجابية ومفيدة للوطن.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .