العدد 2793
الثلاثاء 07 يونيو 2016
banner
الراتب بين المواطن واحتياجاته
الثلاثاء 07 يونيو 2016

إن مشكلة الرواتب وعدم توازنها مع احتياجات المواطن ليست بحرينية فقط بل هي مشكلة خليجية وعربية ودولية، فالكثير من الدول والشعوب تعيش هذه المشكلة، والمشكلة ليست في مقدار الراتب الذي يستلمه الموظف بل فيما يحصل عليه الموظف من السلع والخدمات بهذا الراتب، وهو ما نسميه (الدخل الحقيقي)، أي الدخل معبرًا عنه بمقدار السلع والخدمات التي يحصل عليها صاحب الدخل، وهذا المقدار يقاس بأسعار السلع والخدمات.
والمواطن البحريني يعيش العديد من المناسبات التي يتمنى أن يحقق راتبه معظم ما يحتاج إليه في هذه المناسبات، ومنها شهر رمضان المبارك، والعيدين، والعودة إلى المدارس في الفصلين الدراسيين في كل عام، بجانب النفقات المتكررة الأخرى طوال العام. ولا نقول إن هناك تقصيرا من جانب الدولة، فالدولة تحاول وهي مشكورة جدًا وبقدر إمكانياتها المادية توفير متطلبات المواطنين بما يجعلهم في عيشة راضية وكريمة. فالقيادة السياسية البحرينية لا ترضى لمواطنيها العيش التقشفي ولن تعمل يومًا على كبح تطلعاتهم وآمالهم في الحياة، فالدولة بقدر ما هي مسؤولة وطنيًا ودستوريًا عن الأسر البحرينية فعلى المواطن أيضًا أن يحس مسؤوليته للعيش بقدر ما يملك من إمكانيات، وهذا يُسمى “العيش التمكني” ويعني تمكين الراتب بتحقيق ما يصبو إليه المواطن وأسرته من الحاجات الأساسية، وهذا التمكين يتطلب ترشيد إنفاق المواطن دخله ونفقاته الأسرية وفقًا لحاجاته وحاجات أسرته الأساسية. وعندما نطالب الدولة بكبح التبذير والإسراف فعلى المواطن أن يسير في هذا النهج أيضًا، إلا أن هذا التمكين لن يتمكن دائمًا من تحقيق أهدافه للمواطن.
وفي إحدى الندوات التي استمعت إليها من جهاز التلفزيون في برنامج (منتدى جريدة الشروق) بالجزائر، كان النقاش محتدمًا بين ضيوف البرنامج حول ارتفاع رواتب المسؤولين في الدولة وتدني رواتب الموظفين، بالرغم من أن الموظفين هم الذين يقومون بأعمال الدولة، والمسؤولين ما هم إلا حلقة وصل بين الدولة وموظفيها كما رأى أحد المتحدثين، وقال أحدهم (لا يمكن أن نأمر الموظفين بالقيام بالكثير من الأعمال ونأمرهم بشد الأحزمة بينما يعيش المسؤولون في حالة من الرغد والبحبوحة؟)، وقال أحد المتحدثين (لماذا لا تفرض الدولة الضرائب على دخول هؤلاء المسؤولين وتدفعها كمنح وحوافز إلى الموظفين العموميين؟). في مملكة البحرين تحاول الدولة أن تخفض بين فترة وأخرى مقدار العجز المالي في ميزانيتها، وأن تحظى إيرادات الدولة بالزيادة لتعم منفعتها على الجميع، ولكن هل الزيادة كامنة فقط بارتفاع سعر النفط؟ لا يمكن أبدًا أن تعتمد الدولة على هذا المعيار، كونه معيارا متوقعا (زيادة أو نقصانا)، وهو في الحقيقة معيار سلبي في اعتماده كإيراد. فالإيرادات يمكن أن تتحقق أيضًا من فرض الضرائب على رواتب الأجانب العاملين في مختلف القطاعات العامة والخاصة، وعلى ما يحققونه من أرباح من مشاريعهم المتعددة في السوق المحلية، وفرض الضرائب على الأموال التي يرسلونها إلى الخارج والتي تقدر بالمليارات من الدنانير البحرينية، وعلى مختلف الخدمات الاقتصادية والاجتماعية التي يجب أن يستحقها فقط المواطن البحريني دون غيره من الأجانب والمقيمين.
إن حكومة مملكة البحرين تضمن رعايتها جميع المواطنين والمقيمين، وهذا الأمر يتطلب منها أن تنفق الكثير من الأموال وبأكثر مما تحققه من إيرادات، وعندما نرفع شعار “المواطن البحريني أولاً” يجب علينا أن نهتم به أكثر من غيره، وأن يكون أولاً في كل شيء. أمر حسن ما فعلته الحكومة بتقليل بعض النفقات في مؤسساتها، فمؤسسات الدولة كثيرة، ويتطلب الترشيد أيضًا التقليل منها أو دمج بعضها. وأساس رؤية 2030م أنها تتطلب من الدولة التقليل شيئًا فشيئًا من الاعتماد على اقتصاد النفط وأسعاره الصاعدة قليلاً والنازلة كثيرًا. كما نتساءل أين مسؤولية القطاع الخاص؟ 
إن أفضل برامج الترشيد الوطنية الابتعاد عن البحث في جيوب المواطنين، وانتهاج سياسة مالية تتوافق مع الأهداف التنموية الاقتصادية والاجتماعية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .