إن إنشاء صرح ميثاق العمل الوطني، هذا المعلم الوطني الحضاري يُسجل ذاكرة البلاد وإجماع شعبها على وثيقة وطنية نالت موافقة بلغت نسبتها (98.4 %)، وصرحٌ يُسجل محطة تاريخية مهمة من تاريخ مملكة البحرين الحديث والمعاصر، وهو صرحٌ يُجسد قيم المواطنة والانتماء في نفوس أبناء البحرين، ويُمثل ما قدمه المواطن البحريني من إسهامات لبناء مجتمعه وارتباطه العميق ببلاده العزيزة، وهو رسالة من حاضرها إلى الأجيال القديمة التي ستكمل مسيرتنا الوطنية في البناء والتنمية وتحقيق نمائها.
والصرحُ ليس مجرد شكل هندسي بحريني عربي إسلامي بقدر ما هو تخليد لأسماء المواطنين الذين قالوا نعم للميثاق في عام 2001م بعدد (220) ألف بحريني ممن كان لهم حق الإدلاء بأصواتهم، أسماؤهم منحوتة كاملة على جدران الميثاق، بجانب ما يحتويه الصرح من عدد من القاعات المرافقة تبرز مظاهر البحرين الحضارية والفكرية والتعليمية والتراثية والثقافية. فهو بما يحتويه هذا الصرح يبرز الشخصية البحرينية المميزة والقيم الوطنية التي توحد شعبه، وقصة عطاء بين البحرين وأبنائها، بين الأمس واليوم وصولاً إلى الغد، عطاء بسواعد بحرينية رجالاً ونساء في جميع الأعمار، كلٌ يبني في مجال اختصاصه وبقدرته، جميعهم بذلوا جهدًا لأجل رفعة ونماء البحرين ورخاء شعبها، بدءًا من رحلات الغوص حتى مرافئ الديمقراطية الحديثة.
لقد عُرفت مملكة البحرين وشعبها منذ الأزل بقيم الانفتاح والتسامح، فقد جسد هذا الصرح كيف استقبلت البحرين وشعبها الإسلام الذي آمنت بمبادئه عقلاً وقلبًا، وكان لها الفضل الكثير على الدولة العربية الإسلامية التي أنشئت في المدينة المنورة وانطلقت راياتها إلى كل المُدن في العالم التي أخرجتها من الظلمات إلى النور، هذه الأرض التي عاش عليها الكثير من البشر باختلاف أعراقهم ولغاتهم وألوانهم ودياناتهم ومذاهبهم، عاشوا معًا في شخصية وطنية واحدة ومازالت مملكة البحرين تحتضن هذا النسيج البشري الوطني على أراضيها بكل محبة وود واحترام، بشخصية فريدة متميزة، قائمة على التنوع واحترام الآخر والبذل والعطاء من أجل الجميع، وهي أحد كنوزها وتراثها وقيمها وتقاليدها. هذه هي مملكة البحرين التي جسدها صرح ميثاق العمل الوطني، تاريخ وحضارات، تقاليد وعادات، قيم وإنجازات، فنون وإبداعات، وخطوطٌ من الآيات تشف عن روح القيم البحرينية وعن العُمق الإيماني للبحرين وشعبها. جميعها وأخرى تؤرخ لتاريخ وذاكرة البلاد البحرينية وشعبها التي غرست بجهود بحرينية عربية خالصة.
هذا المعلم الثقافي البحريني العربي يكاد يكون فريدًا من نوعه، ومنذُ افتتاحه هوت إليه الأفئدة من كل صوبٍ ومدى، من البحرين ومن الأقطار الخليجية والعربية ومن دول العالم، وأتت إليه زائرة العديد من المنظمات الدولية الثقافية والفكرية والتربوية والتعليمية، فمن البحرين استقبل الصرح الكثير من طلبة مدارس البحرين وأطفال رياضها، ورؤساء وأعضاء منظمات العالم من فكرية وثقافية وتربوية وتعليمية، جميعهم قرأوا تاريخ البحرين من ماضيها لحاضرها، وتعرفوا على الكثير من المعارف التراثية والتاريخية والثقافية عن الإنسان البحريني وإبداعاته ومهاراته وعن جهده الذي تجسد في بناء مملكة البحرين من رحلة الأجداد العظيمة في الغوص لحاضرنا المتمثل في المشروع الوطني الإصلاحي. لقد تميز هذا الصرح بأن يكون منهجًا تربويًا وتعليميًا لطلبتنا في جميع مراحلهم التعليمية، وبأن يكون قاعدة لإرساء الهوية البحرينية والقيم الوطنية والإنسانية لأبناء البحرين.
إنه يؤكد حقيقة هذا الميثاق وإنجازاته الوطنية، وتذكيرًا بذلك اليوم الذي اتفقت فيه رؤية جلالة الملك مع تطلعات أبناء شعبه في شراكة وطنية واحدة للنهوض بالبحرين وتقدمها حيث حققت لمواطنيها الكثير من المكتسبات، واستشراف آفاق المستقبل الواعد. هذا الصرح حلم وطني لجلالة الملك، انه مشروع يحكي قصة ملك وشعب تعاهدا معًا بموجب الوثيقة الوطنية التاريخية “ميثاق العمل الوطني”. لقد تناغمت هذه المنحوتة الفنية الوطنية في محتوياتها مع مبادئ مشروع الإصلاح الوطني الذي يقوده جلالة الملك حفظه الله ورعاه، هذه الرؤية تجسدت حقيقتها في العديد من المنجزات والمكتسبات الوطنية التي ساهمت في ارتقاء البحرين وشعبها العربي المجيد. إنه التاريخ الذي أراده جلالة الملك وشعبه أن تقرأه الأجيال القادمة ليكون نبراسًا مضيئًا لها، ليتواصل عطاؤها من حيث انتهى آباؤهم. إنه صرحٌ يستحق منا جميعًا زيارته لنتعرف على ما فاتنا من تاريخ مملكتنا الحبيبة.