العدد 2809
الخميس 23 يونيو 2016
banner
ليكن موسمًا للتسامح
الخميس 23 يونيو 2016

لا يوجد موسم يمكن أن تتجسد فيه صور التسامح أفضل من شهر رمضان. إنّ المسلمين الأوائل وجدوا فيه الفرصة لإعلان التوبة النصوح وإظهار الفرح. ولا أدري لماذا استبدلت هذه الصور الناصعة هذه الأيام بالخصومات والأحقاد والضغائن لأتفه الأسباب. أتساءل بمرارة لماذا تحول شهر المحبة والصفاء بين المسلمين الى إظهار للكراهيات والأحقاد والمرارات؟ ولماذا لا ينبذ كل طرف أو فئة خصوماته؟ الأشدّ ايلاما هو ان تتفجر الاحقاد بين الإخوة والأبناء والمحزن انها من اجل حطام دنيوي زائل.
التسامح بالمعنى الحديث تجاوز كونه تغاضيا عن افعال وممارسات تنشأ بين الافراد الى الجماعات الى احترام ثقافة وعقيدة وقيم الآخرين. وشاع مفهوم التسامح حديثا بمعنى العفو عند المقدرة والسمو بالنفس البشرية الى مرتبة اخلاقية عالية بهدف القضاء على الخلافات والصراعات بين الافراد والجماعات.
 التأمل في آيات القرآن الكريم يدفعنا الى اعادة النظر في جملة من السلوكيات الخاطئة في بناء العلاقات المجتمعية، كقوله تعالى “ولا تستوي الحسنة والسيئة ادفع بالتي هي احسن فاذا الذّي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم”.
يقول أحد الحكماء “يا ابن آدم إنّ بينك وبين الله خطايا وذنوبا لا يعلمها الاّ هو وإنّك تحب ان يغفرها الله لك. فاذا احببت ان يغفرها الله لك فاغفر انت لعباده فإنما الجزاء من جنس العمل، تعفو هنا يعفو هناك، تنتقم هنا ينتقم هناك، تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك”.
 كان رسولنا الأكرم محمد (ص) هو أول من جسّد مفهوم التسامح حينما دخل المسلمون مكة فاتحين ووقف النبيّ الأكرم يقول لمن تعرضوا له بصنوف العذاب ماذا تظنون أننيّ فاعلٌ بكم؟ قالوا أخٌ كريم وابن أخ كريم قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء. كلمة نبينا الاعظم دشنت مرحلة مضيئة في تاريخ الامة وحرص الرسول على اقامة افضل العلاقات مع الآخرين ممن قاسموهم الحياة في مجتمع المدينة المنورة وهم اليهود رغم علم النبيّ بمكرهم وخبث نياتهم. إنّها تعد بحق أول كلمة في تاريخ الأمة تغرس مفهوم التسامح، ولعمري جدير بأبناء الاسلام اليوم وهم يعيشون الفرقة والخصومات بين بعضهم الاقتداء بمنهج رسولهم. ما بالنا اليوم – نحن نزعم الانتماء الى الأمة وقد جانبنا تعاليم الرسول وألقيناها وراء ظهورنا؟
 المتأمل في اسباب الخصومات يقف على انّ منشأها غالبا قائم على نزاعات صغيرة وحطام دنيوي زائل. مما يؤثر عن نبينا “ص” انه قال يطلع عليكم الآن رجلٌ من اهل الجنة. فخرج رجلٌ من الأنصار وقد علّق نعليه بيده الشمال فلما كان الغد قال النبيّ مثل ذلك. فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبيّ “ص” مثل مقالته ايضاً.  فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الاول! وتمنى الصحابة لو أنّهم كانوا هذا الرجل.. وتحرقوا للتعرف على الذي جعل هذا الرجل يصبح من اهل الجنة. أحد الصحابة قرر ان يكتشف شخصيا العمل الذي يقوم به الرجل فطلب من الصحابيّ ان يبقى معه بضعة ايام بحجة انّ خلافا نشب بينه وبين والده فوافق الرجل.
 وطوال ملازمته للرجل كان يراقبه في كل تصرفاته وحركاته ودهش عندما لم يجده كما يتصور فلم يكن كثير الصيام والصلاة كان ينام الليل ويفطر النهار فاحتار الصحابي في أمره، وتساءل في داخله ترى ما العمل الذي جعله من اهل الجنة؟ الذي قاله الرجل ببساطة: ما هو الاّ مما رأيت غير انني لا اجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا حسدا على خير اعطاه الله إياه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .