العدد 2813
الإثنين 27 يونيو 2016
banner
في ذكرى استشهاد الإمام علي ابن أبي طالب
الإثنين 27 يونيو 2016

شريفٌ في نسبه، عظيمٌ في إيمانه، تشهد له الميادين ولشجاعته، وتسجل تضحياته بسالته، زاهدًا في حياته، عادلاً في حُكمه، إنه الإمام علي بن أبي طالب الهاشمي العربي القرشي “عليه السلام”، ابن عم النبي محمد بن عبدالله العربي الهاشمي القرشي صلى الله عليه وآله وسلم وزوج ابنته، وكافله حين توفي والداه وجده. ولد في مكة المكرمة وفي جوف الكعبة المشرفة، وآخاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين آخى بين المسلمين خلال الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة. ولم يتخلف عن غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدا غزوة تبوك حين استخلفه صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة. لم يكن الإمام علي “عليه السلام” أول من تم اغتياله من الخلفاء، فكان قبله الخليفة الثاني (عمر بن الخطاب) “رضي الله عنه” والخليفة الثالث (عثمان بن عفان) “رضي الله عنه”، وهو الإمام الذي لم يختلف بشأنه أحد من الصحابة والمسلمين عامة، فكان الخلفاء الثلاثة والصحابة يرجعون إليه في مختلف شؤون الدولة والدين، فكان معهم ويشد من أزرهم، معاونًا وناصحًا، ولم يكن هو ولا أحد من الصحابة سببًا لنزاع واختلاف المسلمين. وبعد اغتيال الخليفة الثالث تم اختياره بالإجماع ليكون الخليفة الرابع للمسلمين في عام (35 هـ/ 656م)، واستمرت مدة حكمه خمس سنوات وثلاثة أشهر، واستشهد في يوم 21 من شهر رمضان عام (40 هـ/ 661م). وفي حكمه كثرت الفتن السياسية وتلاقت سيوف المسلمين في معارك عسكرية لم تحسم لمصلحة الأطراف المتصارعة، وخسر المسلمون بعدها وحدتهم الدينية، وتآلفهم الإنساني، وتماسكهم الاجتماعي.
لم يكن يريد السلطة والحكم، ولم يطلبها يومًا، لكن الخلافة أتت إليه، ولما أتت إليه زهد فيها، وساوى بين رعاياها، ولم يُفرق بين المسلمين واليهود والنصارى، وكان الجميع يأخذ حقه ونصيبه من بيت مال المسلمين، الذين اشتهر بينهم بالفصاحة والحُكمة، والزهد والعدل، وكان عالمًا في علوم الدين والشرع الإسلامي، وتنسب إليه الكثير من الأشعار والأقوال المأثورة. ووصل الإمام علي للخلافة بعد الحركة المسلحة التي أودت بعثمان بن عفان قتيلاً، وتلاه الإمام قتيلاً. هذه الموجة من الحروب بين المسلمين واغتيال خلفاء الدولة الراشدية تسببت بحدوث مسلك تدميري للدولة الراشدية الناشئة متمثل بتصفية الحسابات السياسية بالتخلص من الزعامات الأساسية، وبتغير مسلك الدولة وعنوانها من الشورى إلى الملكية التي اعتنت بمصالح المُلك أكثر من تنفيذ أحكام الشريعة فيها، مسلك اتسم بدقة في الحساب وببراعة في الإخراج والتنفيذ.
وبعد اغتيال الإمام علي اغتيلت الدولة الراشدية، وقطع أي حوار سلمي وشوري حول اعتلاء كرسي الخلافة، ووجد الناس أنفسهم بين خيارين اثنين، إما القتال أو البيعة للدولة الجديدة. وهذا الأمر أدى إلى نتائج متعددة لم تكن جميعها في صالح المسلمين ووحدتهم ودولتهم، أولها تفرق المسلمين بين جناحي الرفض والقبول لهذه الدولة الجديدة التي أبعدت مبدأ المحاورة والمشاورة في اختيار خليفتها، والثاني التحرك البيزنطي المتربص على حدود الشام لتوجيه ضربة سريعة وخاطفة كانت ستؤدي على الأقل إلى إعادة احتلال بلاد الشام، والثالث تجدد مُسميات الدول التي تنقلب على الدولة السابقة لها وتقيم حكمها لتأتي غيرها وتنقلب عليها وصولاً إلى تأسيس عدد من الدول المتسمية بالإسلام الضعيفة والمتعددة بعد أن كانت دولة عربية وإسلامية واحدة متعددة الأطراف. والنتيجة الرابعة جراء هذا التعدد في الدول أصابت الدولة العربية الإسلامية حالة الضعف والانهيار الذي أدى إلى فقد هويتها العربية وقيام عدد من الدول التابعة لدول غير عربية وتعرضها للكثير من الغزوات الاستعمارية كان من بينها السلطنة العثمانية التي استمر حكمها على الأقطار العربية والإسلامية قرابة (600) عام ميلادي، ومن بعدها الاستعمار الأوروبي لأقطارنا العربية.
إن ضعف الدولة العربية والإسلامية أدى إلى حدوث الكثير من الغزوات والانهيارات والانتهاكات التي لا يمكن أن تحدث مع وجود الدولة الراشدية القوية بمبادئها وخلفائها وحصانتها الشرعية وبما حققته من فتوحات ظافرة في الكثير من بقاع الأرض. ولم تكن الدول التي أتت بعد الدولة الراشدية العربية والإسلامية من الحنكة السياسية والبصيرة والرؤية الثاقبة التي تمكنهم من القدرة على المحافظة على الدولة وتحقيق تطلعات وآمال رعاياها. أصبحت هذه الدولة عددا من الكيانات الصغيرة السياسية والضعيفة معتمدة على الصفقات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بعيدة جدًا عن مصالح هذه الدول وشعوبها العربية والأخرى. ومازال أثر ذلك التحول التاريخي يؤثر على حاضرنا، حاضرٌ ضعيف ومشتت ومليء بالنكبات والتقهقر. رحم الله الدولة الراشدية التي كانت لنا دولة شرعية وآمنة، رايتها بيضاء ناصعة، خلفاؤها مؤمنون بررة، زاهدون عادلون اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله العربي الهاشمي القرشي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية