العدد 2817
الجمعة 01 يوليو 2016
banner
لتجرب بريطانيا الانقسام
الجمعة 01 يوليو 2016

ليس بسيطًا أن تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي، ولم يكن الفرق بين نسبة مغادرتها وبقائها كبيرا، لكن المغادرة بمثابة الزلزال والطلاق المؤلم بين بريطانيا وأوروبا بل كان أبغض القرارات البريطانية تجاه نفسها. ولبريطانيا تاريخ سيئ في الانقسامات، فقبل خروجها من الهند قسمت الدولة الهندية في عام 1947م إلى دولتين (الهند وباكستان) وأوجدت بينهما أرض كشمير التي مازالت بؤرة الصراع فيها مشتعلة بين أن تكون أرضًا هندية أو باكستانية. وانتهى انتدابها على أرض فلسطين بتسليمها إلى العصابات الصهيونية وساعدتهم على احتلالها، وبموجب اتفاقية سايكس بيكو 1917م قسمت الأقطار العربية إلى عدد من الأقطار العربية بعد أن كانت جميعها وطنا عربيا واحدا. وتسليم إقليم الأحواز العربي إلى الدولة الإيرانية في عام 1925م. كما ساهمت بتقسيم السودان إلى سودانين، وعملت باجتهاد لتقسيم أرض العراق وتأسيس دولة كردية في شمال العراق. وحان الوقت لتجرب المملكة انفصال بعض ما تملكه من الأراضي بعد تأكيد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
لقد أثبت هذا الاستفتاء أن المملكة المتحدة دولة غير متجانسة جغرافيًا ولا طبقيًا، فقد صوتت إنجلترا وويلز لصالح الخروج من الاتحاد، وفضلت اسكتلندا وأيرلندا الشمالية البقاء في الاتحاد، كما أن صراع البقاء والخروج احتدم بين الشباب الذين اختاروا البقاء في الاتحاد وبين كبار السن الذين اختاروا المغادرة منه. والمناطق المؤيدة لحزب العمال (الحزب الحاكم والداعم للبقاء) صوتت لصالح الخروج والمدن الجامعية كلندن وغيرها صوتت للبقاء. ودعت اسكتلندا إلى استفتاء ثان على البقاء ضمن المملكة المتحدة الذي قد يؤدي إلى استقلالها عن المملكة المتحدة. واستقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة ستكون له تبعات اقتصادية على انجلترا بسبب وجود النفط وكثير من الصناعات في اسكتلندا. وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فتح شهية الأحزاب اليمينية في عدد من دول أوروبا إلى الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي. ولا يمكن للبرلمان البريطاني التصويت على البقاء أو مغادرة الاتحاد الأوروبي لأنه لابد من احترام نتيجة الاستفتاء، وعلى بريطانيا ترتيب إجراءات خروجها وفقًا للمادة (50) من اتفاقية لشبونة التي وقعها قادة الاتحاد الأوروبي أو الممثلون عنهم في يوم 13 ديسمبر 2007م في العاصمة البرتغالية لشبونة. ومع ذلك يمكن لبريطانيا التوصل إلى شراكة مع الاتحاد الأوروبي للحفاظ على مميزات سابقة بدل فقدان هذه العضوية.
بريطانيا هي أحد أعمدة الاتحاد الأوروبي الذي يضم (28) دولة، وانضمت بريطانيا إلى الاتحاد الفدرالي الأوروبي في عام 1973م وخرجت منه في 23 يونيو 2016م. وبفضل عضويتها احتلت المرتبة الخامسة في الاقتصاد العالمي، ونالت النصيب الأكبر من الاستثمارات الأوروبية وأصبحت مركزًا ماليًا ودوليًا مرموقًا. لكن البريطانيين لديهم شعور خاص بعدم الانتماء للاتحاد الأوروبي، وتمسكت بريطانيا بمسافة فاصلة بينها وبين الدول الأوروبية، لذا جاء انضمامها للاتحاد متأخرًا بعد رفضها المتكرر للعضوية ولمدة (16) سنة. ورفضت الانضمام إلى منطقة اليورو وتشبثت بعملتها الوطنية، ولم تقبل الدخول في اتفاق شنغن (المنطقة المفتوحة بين دول أوروبا). انتماء بريطانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي لم يخمد رغبتها في الانفصال، بل ظل قائمًا دائمًا وتحقق في استفتاء 23 يونيو 2016م. وأكد المركز الأوروبي للإصلاح ومقره لندن أن (أزمة اللاجئين زادت الطين بلة، إذ أظهرت الاتحاد وكأنه خارج عن السيطرة)، خصوصا أن بريطانيا تستقبل سنويًا قرابة مليون وافد جديد.
لقد عانت الأقطار العربية الكثير من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية من تقسيم بريطانيا أراضيها، وقد حان لها الوقت أن تشعر بهذه الانتكاسة وانكسار فكرة الوحدة الأوروبية، ومع كثرة الأزمات التي عانتها أوروبا إلا أن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي الصدمة الكبرى للاتحاد وأعضائه من الدول الأخرى التي بدأت تشك في قدرة الاتحاد على الاستمرار في وحدته، وفي مقدمتهم فرنسا حيث أطلقت (مارلين لويان) القيادية بالجبهة الوطنية لأقصى اليمين “صيحة النصر للحرية” من عضوية الاتحاد الأوروبي. وتعهد السياسي المعارض الهولندي (خيرت فيلدرز) إذا جرى انتخابه بأنه سيجري استفتاء على خروج هولندا من الاتحاد الأوروبي.
وأول إسقاطات هذا الخروج هو ما حدث للجنيه الإسترليني الذي انخفض بشكل حاد مقابل اليورو والدولار، ودعا حزب (شين فين) إلى التصويت على ما (إذا كان ينبغي على أيرلندا الشمالية أن تظل جزءًا من المملكة المتحدة أو أن تصبح جزءًا من أيرلندا الموحدة). وقال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإسباني (خوسيه مانويل) إن قرار بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي (فتح إمكانيات جديدة بشأن وضع منطقة جبل طارق، ورفع العَلم الإسباني على جبل طارق أصبح قريبًا جدًا الآن).
كما ساهمت المملكة المتحدة في تقسيم أراضي العديد من الدول فعليها أن تتجرع سم انفصال بعض الأراضي التي ضمتها إلى مملكتها، كأيرلندا وجبل طارق وقد تكون لندن من المُدن التي ستخسرها إذا أبدت هذه المدينة رغبتها في البقاء كجزء من الاتحاد الأوروبي!! “فكأس سقيته لغيرك عليك أن تشرب منه”.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية