العدد 2821
الثلاثاء 05 يوليو 2016
banner
أهلا بك أيها العيد
الثلاثاء 05 يوليو 2016

للفرح مظاهر تجب إشاعتها في وجوه الآخرين، كالابتسامة وبث المحبة.  ومن القول المأثور لا تفرط في لحظات الفرح التي تمر دون أن تعيش جمالها فإذا ذهبت ربما لن تعود مرة أخرى. رغم ما يشوب حياتنا من حزن أحيانا فإننا سنصافح بعضنا بعضا في العيد، لن نعيد بيت المتنبي عيدٌ بأية حال عدت يا عيدُ لكننا سنقول أهلا بك أيّها العيد. صحيح انّ العيد يعود بكفين خاليتين وقدمين متثاقلتين وكأنه لا يريدنا مشاركته فرحه لكن رغم كل هذا فإننا يجب أن نفرح. 
 يقول رسولنا الأكرم محمد بن عبدالله (ص) “للصائم فرحتان فرحة عند افطاره وفرحة عند لقاء ربّه”. والفرحتان حصيلتا الصبر والطاعة  ومجاهدة النفس طوال أيام الشهر الكريم. نتذكر أنه في طفولتنا كنّا ننتشي بقدوم العيد، وكانت فرحتنا لا حدود لها لكن بعد أن غادرنا هذه المرحلة من العمر لم تعد للعيد تلك البهجة كما كانت، هل نحن من تغيرنا أم الدنيا تغيرت؟ لماذا معظم الناس لا تبهجهم ايام العيد؟ ربما لأنّ أحدهم فقد عزيزا عليه والبعض لا يشعر بالفرحة لأنه بعيد عمن يحبهم والبعض الآخر مغترب عن وطنه الذي دمرته الحروب وهناك أيضا ممن لا تسعفه امكاناته لشراء ثوب جديد لأطفاله وهناك أيضا من هو على سرير المرض.
 وبقدر ما تبدو صناعة لحظة الفرح سهلة فإنّها وبالقدر ذاته صعبة لمن بقيت أحلامهم نائية ليس بمقدرورهم إنجازها، إنّ لحظة الفرح بالنسبة للشاب العاطل هو أن يظفر بالوظيفة التي تقيه ذلّ السؤال حتى من اقرب الناس اليه، وبالنسبة للمريض لحظة مواساة ودواء يزيح عنه همه ومعاناته. أما العيد لمن فقدوا آباءهم أو أمهاتهم فيتمثل في اليد الحانية تخفف عنهم قسوة الحياة ومرارتها. 
 لا تكتمل صناعة الفرح ما لم نتشاركها مع الآخرين كالوالدين والأهل والأصدقاء ومن المأثور انّ إدخال السرور على الآخرين عبادة. بالنسبة للكثيرين فإنّ العيد يمر ثقيلا ممن لا تسعفهم الظروف للسفر للخارج اذ من المعتاد للأغلبية تمضية أيام العيد امّا امام شاشة التلفزيون لمشاهدة المسرحيات المعادة للمرة العشرين، أو انّ الوجهة المفضلة لديهم هي المجمعات أو العروض المسرحية لكنّها للأسف تحولت الى تهريج لاستدرار الضحكات دون هدف او رسالة. وغاب عن اذهان اصحابها انّ المسرح يعد مقياسا بالغ الاهمية يعكس حضارات الشعوب وثقافاتها. في النهاية تتحول تلك الأعمال الى عروض خالية من اي مضمون ويطيب “لأبطالها” إلقاء نكات تتناول بعضهم البعض بالسخرية والكلام البذيء، بالمختصر انّ من يمني نفسه بالمتعة والترفيه فإنه يفاجأ بالعروض الهزيلة والضحك على الذقون.
 يبدو أنّ الجميع في سعي حثيث للفرح بعد أن أعياهم الحزن والكآبة وبعد ان اصبحت اخبار الحروب والدماء تطغى على ما سواها. لعل الاشد غرابة بل من المفارقات المحيرة انه ما ان يستبشر الناس بإطلالة مناسبة كالأعياد حتى تراهم يشيعون ثقافة بائسة مؤداها التوجس من الفرح وكأنهم عقدوا معاهدة ابدية مع الكآبة. 
 وبعد فإننا نتمنى في العيد ان تضاء فيه قلوب المحرومين وتلك التي أنهكتها المآسي ولا تزل تعيش الآلام، وأن تختفي من واقعنا صور النفاق الاجتماعي كالمبالغة في تبادل القبلات التي بدأت تأخذ مظهرا استعراضيا اكثر مما تدل على صدق المشاعر، لقد تحولت الى عادة اجتماعية غيرمستحبة وغير مستساغة ويجب الاكتفاء بعملية المصافحة فقط.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية