العدد 2826
الأحد 10 يوليو 2016
banner
لماذا هجر المعلمون التعليم
الأحد 10 يوليو 2016

لا يوجد عامل واحد فقط لدفع أعداد هائلة من المعلمين الى مغادرة المهنة وطلب التقاعد المبكر. بل إنّ عوامل عدة تضافرت معا منها ارتفاع نصاب الحصص إضافة الى سوء التقدير من قبل الهيئات التعليمية ناهيك عن الاعباء الاضافية وغيرها التي أجبرت الأغلبية منهم على الخروج من سلك التعليم مرغمين كما يؤكدون. الحقيقة التي لا يريد أحد من القائمين في حقل التربية والتعليم التوقف عندها فضلا عن مناقشتها هو انّ المعلمين اليوم أصبحوا لا يحظون بالتقدير ولا ذاك الاحترام الذي يتمتع به معلمو الأجيال السابقة. فلا يبدو أنّ هناك من يصغي الى هموم هذا الانسان، ولا أحد يقرأ معاناتهم ولا حتى قلبه معهم.
وبدلاً من وضع المعلمين في المكانة الجديرة بهم كمربين أولا ومعلمين ثانيا لأنهم صبروا وتجشموا حمل الأمانة التي ناءت بحملها الجبال فإنه في المقابل توجه له التهم جزافا بأنّ المعلم تخلّى عن دوره الإنساني وفرط في واجبه الأخلاقيّ والمهني. وبدلاً من تكريم المعلم ماديا ومعنويا بما يستحق وما يتناسب مع المهمة الثقيلة التي ينهض بها كما هو الحال في سائر بلاد الدنيا – ألمانيا مثالا يتمتع بأعلى دخل حتى من القضاة والأطباء  – نرى المعلم لدينا يتعرض للإهانة و”البهدلة”، ولعل المثير للاستغراب والدهشة أنّ كل هذا يجري لهم وهم لا يفتحون فمهم ولا يسمح لهم كبرياؤهم أن يعترفوا بحزنهم ولا الإعلان عن متاعبهم بل لا تسمح لهم اخلاقهم أن يجأروا بالشكوى.
مهنة التعليم أصبحت طاردة بمعنى الكلمة. إنّ الأغلبية ممن ينتمون الى الجسم التعليمي لم يعودوا راغبين في البقاء لما سبقت الإشارة اليه اضافة الى ما استجد من مهام لم تعد الغالبية من المعلمين قادرة على التكّيف معها، ولعل المثال الأبرز هو لجان الجودة وما تشكله من إرهاق لا مبرر له لكل الهيئات الادارية والتعليمية. وكان الأجدى لو أنّ وزارة التربية  أعادت النظر في التجربة وأجرت عليها تقييما للتعرف على إيجابياتها وسلبياتها ودراسة نتائجها ثم تقرر فيما بعد الاستمرار فيها أم التراجع عنها رغم ما اتضح من سلبيات يدفع ثمنها غالبا المعلمون.
 الحقيقة الأخرى التي نود التوقف أمامها وتشكل في رأينا عاملا اساسيا في استقالة غالبية المعلمين أنّ وزارة التربية لا تشرك المعلمين في القرارات التي تنوي تطبيقها وهذا ادى الى خلل جسيم، بل الى فشل ذريع في العديد من البرامج ولعل المثال أمامنا تمديد اليوم المدرسي، وكان الافضل لو تم اجراء مناقشات مستفيضة مع ممثلين للهيئات التعليمية قبل الاقدام على هذه الخطوة لأمكن تفادي سلبيات عدة.
 إنه لمؤسف ان يصبح المعلم الحلقة الأضعف في عملية التعليم. يؤكد عدد من المعلمين أنهم يتعرضون الى إهانات مباشرة من قبل اولياء الامور. وأصبح من المعتاد جدا ان يقابل أي تصرف هدفه تربية وتقويم الطالب من المعلم بمواقف استفزازية من ولي الأمر، وبالطبع الأمر له آثار قاتمة في نفسية المعلم مما ينعكس سلبا على الرسالة التعليمية بأكملها وليس المعلم فحسب. ولا شك انّ فقدان المعلم هيبته تتحمله في المقام الاول وزارة التربية لوقوفها الدائم مع أية شكوى يرفعها أولياء الامور.
 لكي نعيد للتعليم مكانته التي كان عليها فالواجب يقتضي تقدير الدور والرسالة النبيلة للمعلم. وإنه لمحزن جدا ان نشاهد المئات يتقدمون للتقاعد وهم في قمة نشاطهم وحيوتهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .