العدد 2832
السبت 16 يوليو 2016
banner
ضحايا الأخطاء الطبيّة
السبت 16 يوليو 2016

 لا أعتقد أنّ الشابة أنوار علي التي ذهبت ضحية خطأ طبيّ بإحدى المستشفيات الخاصة قبل أيام ستكون آخر ضحايا الأخطاء الطبية الفادحة ما لم تقدم الوزارة على اتخاذ الإجراءات الرادعة. لعل الأغرب في حادثة المتوفاة - طبقا لشهادة ذويها - أنّ مرضها كان احتقانا عاديا في الحنجرة بسبب التهاب بكتيري. ونتيجة حقنة خاطئة من قبل الممرضة كانت النتيجة مفجعة وغير متوقعة بأن أسلمت النفس الأخير. تصدمنا بين الفينة والأخرى انباء مشابهة لأخطاء طبية كارثية يروح ضحيتها العشرات والمؤسف أنّها تسجل قضاء وقدرا وليس نتيجة حسابات طبية خاطئة.
ليس ثمة من يجادل في أنّ الأخطاء الطبية لم تعد محصورة في بلد بذاتها لكنّ الفارق انّ بلدانا محكومة بالقوانين وهناك بلدان أخرى بلا محاسبة ومن شاءت أقدارهم المريرة التعرض للأخطاء فإنهم أصبحوا بلا أمر ومن أي نوع. بل حتى الذين وقعوا للأخطاء وتعرضوا لعاهات بسيطة أو مستديمة لم يقدّر لهم الحصول على تعويض يتناسب وحجم الضرر. إنّ السر يكمن في غياب التشريعات الخاصة بتنظيم العلاقة بين الطبيب والمريض.
 لابد من الإقرار بأنّ جهل الأغلبية من المرضى بالقانون يعد عاملا بالغ الأهمية في ضياع حقوقهم. وبالتالي فإنه من المؤسف انّ العشرات منهم لم يدر بخلدهم أمر المطالبة بمحاسبة الطبيب قضائيا لاعتقادهم انّ الخطأ الطبيّ هو مجرد قضاء وقدر ليس إلاّ.
ولعل انتشار العيادات الطبية الخاصة في السنوات الأخيرة بشكل فاق كل التصورات حتى أصبح حلم كل طبيب أو باحث عن الثروة إنشاء عيادة طبية بأي شكل ودون التقيد بالمعايير والاشتراطات المطلوبة، أسهم بشكل جلّي في تفاقم الأخطاء الطبية حتى لا يكاد يمر يوم إلاّ وتصدمنا أخبار الكوارث والأدهى أنها تمر بلا عقاب.
مما يضاعف الألم أنه لا توجد احصاءات دقيقة حول عدد المتضررين من اخطاء الأطباء ولا حتى من وقعوا ضحية أخطاء مميتة. إنّ مصارحة المواطن بمثل هذه الحقائق من أهم الحقوق التي يتوجب من وزارة الصحة الكشف عنها لا الالتزام بالصمت وكأنّ وفاة مواطن مجرد خبر لا يهم أحدا. في دول قريبة منا كالمملكة العربية السعودية تصدر وزارة الصحة تقريرا سنويا مفصلا بعدد القرارات الخاصة بالأخطاء الطبية والقرارات الصادرة بالإدانة بالحق العام والحق الخاص اضافة الى الحالات المعروضة على الطب الشرعي العام وعلى الهيئات الصحية. يبدو لنا انّ اساس المشكلة في تراكم الأخطاء الطبية انعدام الرقابة والدقة في متابعة الأخطاء الطبية. هناك أخطاء عدة تقع في المراكز الصحية نتيجة الإهمال. ولا شك أنّ ذاكرة الكثيرين منّا تحمل قصصا لأطباء لم يلتزموا بالكشف الطبيّ الدقيق بل انّ المحزن انّ فئة من الاطباء تتعامل مع حالة المريض باللامبالاة. وقد لا يتصور البعض انّ الاجهزة الطبية بالمراكز الصحية تحديدا لا تعمل بالكفاءة المطلوبة. لا تبرح ذاكرتي تجربة شخصية مريرة عندما اضطررت الى زيارة احد المراكز الصحية بالمنطقة قبل سنوات واستدعت الحالة وضع جهاز الأكسجين لكنّ المفاجأة الصارخة تمثلت في انّ الجهاز كان عاطلا عن العمل أي بلا اكسجين!  وعندما صارحت الممرضة بالواقع اعترفت بالحقيقة لكنّ ما ضاعف من المي وحزني قولها: لا استطيع اطلاع المسؤولين بالحقيقة!
ربما يكون ردّ السادة المسؤولين بالوزارة على ملاحظاتنا انّه حتى الدول المتقدمة تشهد اخطاء متعددة وهذا كلام لا نجادلهم فيه لكنّهم هناك يحددون الخطأ والمتسبب فيه اما هنا فالخطأ غالبا ما يلفه الصمت المطبق وتسجل القضية ضدَّ مجهول. المعضلة الكبرى هي انّ الجميع لا يتوصلون الى من هو المخطئ، ويبقى أملنا بنظام طبيّ دقيق يكشف عن من أخطأ والأهم تشريعات لمعاقبة من تسبب بالخطأ، بل فرض غرامات رادعة بحق كل من يتساهلون في حق المرضى أكانوا أطباء أم ممرضين.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .