العدد 2841
الإثنين 25 يوليو 2016
banner
ثـورة يوليـو بيـن أديبيـن
الإثنين 25 يوليو 2016

بعد ستة عقود على ثورة يوليو المجيدة نستذكر بإكبار وفخر زعيمها الخالد في قلوب جماهير العرب جمال عبدالناصر. وكتابتنا هنا ليست دفاعا عن الثورة لاعتقادنا بأنّها وبعد مضي هذه السنوات لم تتأثر بإطلاق الرصاص عليها، وليقيننا أنّ اسقاطها أو تشويهها وتفريغها من منجزاتها هو نوع من أنواع المستحيلات. ما تعرضت له ثورة يوليو من هجوم لا يمكن حسبانه مناقشة حضارية لكن يمكن اعتباره هجمة على تاريخ الأمة بكل ما يحمله من قيم ومنجزات. وما شهدناه من نقد للثورة وزعيمها في مطلع سبعينات القرن الماضي تجريد للثورة من كل إيجابياتها وعناصرها بل تجريد لقائدها من مبادئه وحتى ثيابه وعظامه وتركه عاريا بلا ملامح.
 لعلّ الذّي يدعو إلى الأسى أن ينضم إلى هذا الهجوم أو النقد اللاموضوعي كتاب كبار كنّا نعدهم نماذج نسترشد بهم ونهلنا من فيض عطائهم الفكري والثقافي في مقدمتهم الأديب الكبير توفيق الحكيم. والمفارقة أنّ عبدالناصر كان معجبا بالحكيم وقرأ روايته الذائعة الصيت عودة الروح وتأثر بها عند قيام ثورة يوليو. وكانت هذه “الأبوّة الروحيّة تفرض عليه – الحكيم - أن يذهب الى تلميذه – عبدالناصر - وينصحه ويوجهه ويدله على طريق الديمقراطية. كما كان بإمكان الحكيم ان يصرخ وأن يغضب وأن يحتج ولكنه لم يفعل لأنه لم يكن يحب مقابلة الحكام ولا يحب الدخول في حوار معهم إلاّ بعد موتهم”.
إننا بالطبع نقف مع كل ثورة في العالم إذا كانت تستهدف تخليص المقهورين من قاهريهم ومع المستضعفين من المتسلطين على رقابهم ومع الجائعين ضد آكلي ثرواتهم والمقموعين من قامعيهم، ومن هنا فإننا نرفض تجريد ثورة يوليو وزعيمها من منجزهم التاريخي والحضاري لمجرد أنّ البعض خرج على نهج الثورة أو حاول التسلق على اكتافها وهذه حقيقة لا نجادل حولها. فكل الثورات تعرضت لنماذج مشابهة أي انّ ثورة يوليو ليست استثناء وهذا ما يجعلنا نغفر لمفجريها ولا نغفر لمن حاول استغلالها.
 ثورة يوليو جاءت في موعدها مع القدر كما أعلن زعيمها اذ انّ الامة كانت بحاجة الى اكتشاف ذاتها وأخذ حجمها الحضاري. وكانت ملبية لطموحات وآمال وأشواق ابناء مصر وأبناء الأمة العربية في آن واحد. ولم تأت من خارجها كما حاول خصومها والمتربصون بها أن يشيعوا افتراءتهم وأكاذيبهم بين الجماهير.
 أمّا الروائي نجيب محفوظ فإنه عبر روايته “ثرثرة فوق النيل” تعرض إلى السلبيات التي رافقت الثورة. واعتبر نقده إيجابياً يهدف الى تصحيح الأخطاء. غير أنّ ما حدث كان خارج كل التوقعات فقد غضب مسؤولون كبار في مواقع السلطة من محفوظ وطالبوا التصرف معه، ويعني ذلك على اقلّ تقدير مصادرة الرواية ومن ثم توقيع عقاب قاس على كاتبها.
 إلاّ أنّ عبدالناصر طلب نسخة من الرواية وقرأها وقال ما معناه، “احنا عندنا كم نجيب محفوظ؟” ونجيب محفوظ لم يثبت عليه أبدا سوء نية تجاه الثورة مثل غيره من بعض الكتاب المعروفين. إنّ رواية ثرثرة فوق النيل فيها نقد، والنقد الذي تنطوي عليه صحيح، وعلينا ان نعترف بوجود السلبيات التي تشير اليها ونعمل على الخلاص منها بدلا من ان نضع رأسنا في الرمال وننكر ما تنبهنا اليه الرواية. وقال نجيب محفوظ تعقيبا على ما جرى جاءت ثرثرة فوق النيل لتنبه الى كارثة قومية وقد بدأت تطل برأسها الى السطح وكان لابد أن تكون لها نتائج خطيرة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .