العدد 2854
الأحد 07 أغسطس 2016
banner
عن مرشحي أميركا ولاعبي السيرك
الأحد 07 أغسطس 2016

ما الفرق بين ساحر السيرك والسياسيّ؟ الفرق أنّ الأول يخرج الأرانب من قبعته بينما السياسيّ تجد الأرانب في تصريحاته ومحفظته. إذا كانت العبارة السالفة تصدق على جلّ المنتمين الى السياسة فإنها تبدو لنا أكثر صدقا على لاعبي السياسة في الولايات المتحدة الأميركية، وبالأخص في هذه الأيام حيث المعركة الانتخابية في أوج احتدامها بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
المواجهة تتجلّى بين من هم في هرم القيادة بالتحديد. فالرئيس الأميركي باراك أوباما وخلال الأسبوعين الفائتين شنّ حملة ضارية على المترشح عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب عندما سأله الصحافيون عن رأيه في ترامب قال بعبارة صريحة خالية من الدبلوماسية إنّ هناك اساسيات لا يمكن للإنسان ان يصبح رئيسا بدونها، وعدّد بعضا منها كالأخلاق، ثم انه على المترشح ان يتمتع بالمعرفة الدقيقة وما يجب ان يقوله وما يجب أن يمتنع عن قوله، وأن يستوعب تأثير كلامكه على العالم اضافة الى المعرفة الكافية عن الاقتصاد السياسي والاختلافات الفكرية العالمية، وختم تصريحه بقوله يجب عليه معرفة الوضع في افريقيا وآسيا وأوروبا وجنوب اميركا معرفة دقيقة.
 المتابعون لحملة الانتخابات الأميركية لا يجدون عناء كبيرا في اكتشاف انّ مرشح الحزب الجمهوري يعد من أسوأ من تقدموا للانتخابات في الولايات المتحدة على مدى عقود. وإذا كان البعض يتظاهرون بأنّ احلامهم عند الفوز برئاسة الولايات المتحدة بإجراء الاصلاحات نحو الخير والحق والحرية فإنّ هذا الرجل يمثل النقيض تماماً. فالتصريحات التي ادلى بها طوال الأشهر الماضية أوضحت حجم ما في داخله من افكار والأدهى ما يختزنه من رؤية متعالية ومن عنصرية تجاه العالم ناهيك عن ضحالة في التفكير. ولسنا نجد فارقا بينه وبين الرئيس الأسبق بوش. ربما يكمن الفارق فقط في انّ ترامب لا يجد غضاضة في الإعلان عن عنصريته بكل فجاجة بينما الآخر يحاول اخفاءها.
 أما الرئيس اوباما الذي امضى ثماني سنوات في رئاسة الولايات المتحدة الاميركية وتشارف ولايته على نهايتها فإنه يتكلم لغة لا تمت الى السياسة وهي لغة غير صالحة للاستعمال والمثال أنه وجه لترامب نقدا لاذعا عندما اتهمه بأنه “لا يعرف الفرق بين طوائف المسلمين، بالأخص بين السنة والشيعة!”، العبارة بقدر ما تثير الدهشة والاستغراب فإنها تكشف عن نمط التفكير لدى سياسيي البيت الأبيض.
 إنّ الخطأ الأكبر الذي يقع فيه بعض القابضين على السلطة في عالمنا العربيّ عندما يعقدون المقارنات بين مرشح هذا الحزب والحزب الآخر. انهم يغفلون عاملا اساسيا هو انّ الولايات المتحدة دولة مؤسسات وتدار عبر هيئات عديدة وليس كما هو سائد لدى عالمنا العربيّ.
 من يدقق في تصريحات المترشحين للانتخابات الاميركية يجد انّها – الانتخابات – عبارة عن لعبة ذكاء وتركيز وتتطلب المهارة في اكتشاف ما يمارس من خدع تماما كما هو في عالم السيرك. وكما انّ ساحر السيرك في النهاية يحقق الفوز فإنّ لاعب السياسة بممارسته الخدع والتلاعب بالألفاظ يكسب الرهان.
 المهم هو أنّ يعي السياسيون في عالمنا العربي أنهم قادرون وبإرادتهم المستقلة على إدارة شؤون بلدانهم والخروج عن هيمنة الولايات المتحدة الأميركية التي اكدت الحوادث طوال عقود أنّها ليست سوى دولة استعمارية، والأهم ايضا ان يعي زعماء العالم العربيّ انّ الحروب التي تشعلها اميركا لم تكن سوى حروب إبادة هدفها السيطرة على خيرات بلداننا. والمهم أخيرا ان تتغير المعادلة التي فرضتها هذه الدولة الأعظم والتي جعلتنا زبائن ندور في فلكها وتحت سيطرتها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .