العدد 2885
الأربعاء 07 سبتمبر 2016
banner
قفوا إجلالاً واحترامًا لهذا الإنسان
الأربعاء 07 سبتمبر 2016

يعودون من جديد إلى ميدانهم الأثير إلى قلوبهم. إنها الرحلة الصعبة الشاقة التي نذروا لها أنفسهم. ترى هل جال بخاطر أحدنا يوما سؤال ما الذّي يشقيهم؟ ولماذا تحول المعلم إلى كتلة من الهموم في دروب الحياة الصعبة؟ أعتقد بل أكاد أجزم أنّ ما يشقيهم أنّه ليس هناك من يقدّر ثقل الأمانة التي يحملونها من جيل النكران كما نعتوهم بحق؟ أما الأشد إيلاما ومضاضة هو مساندة الآباء للأبناء وهذا على نقيض ما كانت عليه الأجيال السابقة، وهذا السبب تحديدا أسهم في انهيار الجيل الى هذه الحالة المحزنة. طموحاتهم أن تعود اليهم كرامتهم التي كان يتمتع بها اسلافهم قبل عقود، وأقصى أمنياتهم ان يظل المعلم رمزا شامخا.
 لعلّ ظاهرة تقاعد المعلمين في العام المنصرم الأشد اثارة للدهشة، إذ قدرت أعداد من تقدموا للتقاعد بالمئات. المفارقة أنّ الأكثرية منهم في قمة النشاط والعطاء. الظاهرة لم تكن متوقعة الأمر الذي دعا المسؤولين بالتربية إلى إجراء لقاءات عاجلة معهم للتعرف على الدوافع التي أملت عليهم اتخاذ هذا القرار. وليس مفاجئا أبدا أن تدور دوافعهم حول حجم المعاناة من ضغوط وضياع هيبة المعلم ناهيك عن تهميشهم في القضايا التي تمس صميم المهنة، إضافة لما يتعرضون له من صور شتى من الاستخفاف بمكانتهم من طلبتهم بلغت حد الاعتداء على أجسامهم قبل سياراتهم!
إزاء مثل هذه الانتهاكات لصناع الأجيال كنا نتمنى لو أنّ وزارة التربية والتعليم تحركت وأعادت لهم ما يحفظ هيبتهم وكرامتهم بتغليظ العقوبات ضد كل من يسيء إلى المعلم. فضياع هيبة المعلم تتحمله وزارة التربية بوصفها الجهة التي تقع عليها حماية المعلمين لا من الطلبة وحدهم بل من آبائهم أيضاً. إنّ خيبة هذا الجيل لا يتحملها المعلمون لأسباب عدة تمت الإشارة الى بعضها بينها أنّ المعلّم لم يعد المثل الأعلى كما كان سائدا قبل عقود. هناك من يلقي اللائمة على أولياء الأمور لتهاونهم في تربية أبنائهم والتعامل الإنساني مع معلميهم.
أتذّكر أنّ الزعيم الياباني عندما سئل عن سرّ تقدم بلاده قال “إنّ تقدم بلادنا اننا اعطينا المعلم حصانة الدبلوماسيّ وراتب الوزير”. وأتذكر أيضا أنّ معلما في أحد البلدان العربية كان قد رفض تكريمه بعد انتهاء خدمته في سلك التعليم لأسباب من بينها كما قال “كنت سأفرح بتكريمكم ولوائح الترقية تطالعني كل سنة بجدول خال من اسمي، وكنت سأفرح بتكريمكم وأنتم ترسلون لي مفتشا بربطة عنق أنيقة ليسخر من أحوالي وأنا أعيش أوضاعا بائسة!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية