العدد 2956
الخميس 17 نوفمبر 2016
banner
التسامح وقبول الآخر
الخميس 17 نوفمبر 2016

جميل أن تخصص الأمم المتحدة يوما للتسامح، وعند الإشارة إلى التسامح فإنّ المعنى ينصرف الى الانفتاح على الآخر بصرف النظر عن انتمائه الدينيّ والعرقي أو الحزبيّ. بيد أنّ السؤال هنا: لماذا تكرس الأمم المتحدة يوما عالميا للتسامح؟ لأنّ الحاجة اليوم باتت ملحة لنشر ثقافة التعايش وقبول الآخر. ولأنّ التسامح يمثل طوق النجاة أمام طوفان زاحف من الكراهيات والأحقاد والمرارات، ومبدأ التسامح يعني التخلي عن الرغبة في إيذاء الآخرين، ويعني أيضاً الشعور بالتعاطف مع الآخرين. 

 المتأمل في المأثور الإسلامي يجد أنه زاخر بالأمثلة المضيئة، فالرسول الأكرم محمد بن عبدالله قدّم للأمة نموذجا فريداً وراقيا للتسامح. ولعل الموقف الذي أثار استغراب الصحابة هو زيارته (ص) لعبدالله بن أبي سلول مرارا ونزوله في قبره لما مات وهو الذي آذى الرسول. وعندما سأله أحد الصحابة: أتصليّ عليه يا رسول الله وهو الذي فعل وفعل؟ فيقول النبيّ (ص): “إنيّ خُيّرت فاخترت”، وفي فتح مكة يقدم لنا النبي الأكرم نموذجا آخر للتسامح حين قال “ما تظنون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: أخٌ كريم وابن أخ كريم” قال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. 

 وفي ظلّ تعقد العلاقات وتشابكها في عالم اليوم أخذ مفهوم التسامح أبعادا أعمق، فالبشرية اليوم بحاجة الى قبول الآخر المختلف سياسيا وفكريّا، وهذه الثقافة لا غنى عنها إذا كنا نبتغي تنشئة جيل قادر على تحمل المسؤولية وفي الوقت ذاته فإنّ ثقافة قبول الآخر من الأسس التي تنهض عليها الأمة، وهناك اعتقاد لدى البعض بأنّ التسامح لا يتحقق الاّ بالحوار والتواصل، وخلق فضاء للنقد وهو البديل عن منطق القوة والاستعلاء. 

ليس من المبالغة القول إنّ حالة التخلف التي تعيشها أغلبية مجتمعاتنا العربية والإسلامية مردها افتقادنا لقيمة التسامح وقبول الآخر. إنّ التسامح ليس نظريات تطلق في الفراغ بل يجب أن يتجسد عبر أفعال تتجذر في تربة الواقع من خلال تبني برامج عملية تراعى فيها المصلحة العامة على المصالح الصغيرة والضيقة. 

قبول الآخر كان مبدأ ترسخ منذ بواكير السنوات الأولى للإسلام، فالإسلام لم يفرّق بين الآخر بسبب اللون أو الجنس أو العرق، بل كفل حرية الاعتقاد ولعل هذا ما ضمن الأمن والاستقرار للمجتمع الاسلاميّ.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .