العدد 2974
الإثنين 05 ديسمبر 2016
banner
قولوا خيراً...
الإثنين 05 ديسمبر 2016

منظر مألوف جدا، مشاهدة العديد من الأشخاص وهم يحدقون في شاشات الأجهزة النقالة في كل مكان، إلى الحد الذي لم يعد بمقدورهم البقاء دونها ولو لدقائق معدودة. إنّ هذه الحالة من الإدمان تولد أضرارا صحية واجتماعية ومخاطر لا حدود لها، أما على المستوى الاجتماعي فإنّ آثارها تتعدى ما تخلقه من عزلة الفرد عن أسرته ومجتمعه الى استهداف سمعة الآخرين غير آبهين بأية عقوبة من أي نوع. 

شخصيا لا أعتقد أنّ المواعظ والنصائح يمكن أن تحد من ظاهرة بهذا الحجم، لكنّ أحد الآباء اقترح حلا واقعيا عندما عمد إلى وضع سلة في مدخل المنزل وألزم جميع أفراد الأسرة وضع أجهزتهم بها. وفي إحدى المدارس باليابان كانت عقوبة من يحضر الهاتف النقال إغراقه في إناء ماء.

لا أظنّ أن هناك من يختلف في أنّ وسائل التواصل الاجتماعي التي وفرها العالم الافتراضي أسهمت بقدر كبير في تقريب المسافات وخلق أنماط حديثة من التواصل، وفي الوقت ذاته أقامت جدرانا داخل الأسرة الواحدة. لعل الأخطر في هذا العالم أن أدمن عليها كثر من مستخدمي هذه الأجهزة، حيث بلغت خطورتها حد انتهاكها الأعراف المجتمعية والقيم الأخلاقية. 

لسنا هنا بصدد الوقوف على الإيجابيات التي وفرتها فإنها بالطبع تجاوزت تبادل المعارف وفتحت أمام الإنسان مجالات لا حصر لها من انشطة اقتصادية واجتماعية وغيرها، بيد أنّ الذي يبعث على القلق لأولياء الأمور خصوصا أنّ هذه الوسائل باتت سهلة الاستخدام وبلا رقيب مما يجعل من أي محتوى لا أخلاقي بين أيدي الأبناء في أي وقت، وهنا تكمن الخطورة إذ إنّ البناء القيمي والأخلاقي الذي تشتغل عليه المؤسسات التربوية وفي المقدمة المدرسة على مدى سنوات تنسفه وسائل التواصل الاجتماعي في بضعة أيام. 

أمام هذه الكارثة وفي غياب الرقابة الأسرية يرى المربون أنّه لابدّ من العمل على إقامة الرقابة الذاتية لدى الأبناء رغم قناعتنا بأنّ المسألة ليست بسيطة، والسبب يكمن في أنّ الأجهزة بكل أنواعها تشبع فضول الناس كافة وبالأخص الأجيال الجديدة، نظرا لما توفره من جذب وإغراء، حيث من النادر جدا أن تلحظ الفرد دون جهاز ملازم له طوال الوقت. 

لم يعد غائبا أنّ ما أتاحه العالم الافتراضي بات متنفسا لكل الشرائح المجتمعية، خصوصا أنه بات بمقدور أي فرد امتلاك جهاز مهما كانت حالته الاقتصادية متدنية. وفي ظلّ الانتشار الهائل لأجهزة الاتصال فإنّ هناك انتشارا للشائعات كالنار في الهشيم، وهناك خطورة باتت موضع ملاحظة متمثلة في نشر الأخبار دون تدقيق في المصدر ودون إدراك عواقبها الوخيمة على الأشخاص. 

أمام هذا الخطر الزاحف انطلقت أصوات تدعو إلى الترشيد، والمعنى يشير الى أننا اذا أردنا إقامة مجتمع سليم وناهض علميا واجتماعيا لا مناص من الترشيد، وهذا بالتأكيد يتطلب بذل كل الإمكانات، وتكاتف جهود كل مؤسسات المجتمع.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية