العدد 2995
الإثنين 26 ديسمبر 2016
banner
الزميلة الطموحة.. قتيلة
الإثنين 26 ديسمبر 2016

يساورني شعور بالحزن كُلما ارتسمت أمامي صورة إيمان صالحي، وهي مُسجّاة على الأرض. ذابلة مثل وردة اغتالتها وحشية الإنسان المُدمّرة لكل شيء جميل في الطبيعة. عزائي الوحيد أن تُحلق روح الفقيدة إلى جنان الخلد بعد رحيلها المُباغت عن الحياة دون أن تكمل حتى عقدها الثالث.

ولا أجد مفرًّا من التعبير عن صدمتي - التي يشاركني فيها الزملاء الصحافيون الرياضيون - عندما تبادر إلى علمنا أن الزميلة التي كانت تعمل بصمت في مجال الإعلام الرياضي هي ذاتها تلك الفتاة التي اخترق مقتلها قلب المجتمع البحريني، حتى قبل أن يتعرّف الناس اسمها وشخصيتها المحترمة. ذلك أن سياق الجريمة مرعب وتفاصيلها بشعة، إذ يكفي أن يكون مصرع إيمان بطلق ناري مُتعمّد أمام ناظر طفلها ذي الست سنوات.

والحقيقة أن ما يضاعف صدمة الصحافيين الرياضيين هو رحيل زميلتنا بوصفها ضحية لجريمة قتل مع سبق الإصرار، وقد كانت بالأمس القريب تعمل بيننا في الفعاليات التي تنظمها لجنة الإعلام الرياضي البحرينية والاتحاد الآسيوي للصحافة الرياضية من خلال شغلها منصب السكرتيرة والمنسقة في كلا الجهتين، وما لمسنا منها إلا البراءة والهدوء والسكينة.. وترفّعها الدائم عن المشاكل والخلافات.

أقول ذلك، وأنا أعرف تمامًا أن المجتمع البحريني برمّته يشعر بالصدمة بعد سماعه نبأ الجريمة التي تعدّدت رواياتها المثيرة للاشمئزاز، وبعيدًا عن دقة تلك الروايات المتواترة من هنا وهناك، فإنني واثق تمامًا أن أكثر من شعر بحجم الصدمة هم من تعاملوا مع الضحية؛ لأنهم يعرفون جيدًا كم كانت نهايتها مأساوية وغير متوقعة، فهي فتاة لم يصدر عنها ذات يوم ما يشوِّه صورتها الناصعة، وكان الجميع يبادلها الاحترام والتقدير كما تبادلهم إياه.

لكننا سنشعر بالألم أكثر عندما نعرف أن إيمان كانت مثالاً للفتاة الطموحة. نعم كانت طموحة. يشغلها المُستقبل أكثر من الحاضر. ولست أعلم هنا حجم دهاء الموت وتعدّد حِيَله في خطف الأرواح بطرق يعجز عن تخيلها العقل، فمن يتوقّع يومًا أن تزهق روح إيمان المسالمة بهذه الرصاصة الآثمة؟!

على كل حال، يبقى الموت حقًّا إلهيًّا لا اعتراض عليه ولا عتب. إنما العتب علينا جميعًا عندما لا نترك أثرًا طيبًا في هذه الحياة قبل رحيلنا في أي لحظة، ويبقى الأمل رغم كل ما يحيط بنا من حزن، في أن تأخذ العدالة مجراها، وإن كانت غير كافية لتعيد إيمان إلى الحياة، فعسى أن يعيد ذلك ابتسامة طفلها الذي شهد الحادثة المرعبة بأمِّ عينيه، وريثما يحدث ذلك ليكن الصبر والسلوان حليف أهلها وذويها وكل من تركت أثرًا إيجابيًّا في حياته.. رحمها الله.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .