العدد 3005
الخميس 05 يناير 2017
banner
انقذوا هويتكم
الخميس 05 يناير 2017

ليس خافيا على أحد أنّ هناك من يكيد لمحو الهوية العربية، والمقصود بالهوية هنا لغتنا العربية التي قال فيها الشاعر حافظ إبراهيم “حفظت كتاب الله لفظا وغاية... وما ضقت عن آية به وعظات”، إنها أشبه بحرب ولكن من نوع آخر تستهدف اغتيال كل ما هو جميل ونبيل في حياة الأمة. وإلاّ كيف نفسر ظاهرة آخذة في الانتشار بين الشباب الذين قضوا شطرا من حياتهم في الخارج وتلقوا تعليمهم في دول الغرب، أقول نراهم يتحدثون بلغة أجنبية دون أن يخالج أحدهم شعور أنه ارتكب خطيئة بحق أمته وحضارته أو تعدى على هويته، إنها موجة تغريبية تريد الإساءة إلى تاريخنا عبر النيل من اللغة العربية. 

في هذا الإطار لابدّ أن أحدنا خالط مرة على الأقل من نالوا تعليمهم من الجامعات الغربية أو حتى من درسوا اللغة الأجنبية أو من شاءت أقدارهم العمل لدى شركات أجنبية، لغة الحوار بينهم تطغى عليها مفردات غربية بالأخص، الأكثر مدعاة للدهشة هنا أنهم استمرأوا مثل هذه الحالة وكأنها من الأمور الاعتيادية أو التي لا تمس الهوية بالصميم. 

إنّ ظاهرة طمس اللغة أصبحت في هذه الأيام تسلية للبعض من شبابنا، وتنكرهم للغة الأم لا يثير فيهم أية مشاعر بالخجل. صحيح أنّ الغرب تفوق علينا في العديد من حقول المعرفة وسبقنا بأشواط في ميدان التكنولوجيا وبالتالي فرض لغته على العالم بيد أنّ ظاهرة الاستلاب هذه ما كان لها أن تأخذ هذا الحجم والمساحة لولا تفريط الجهات ذات العلاقة في مقدمتها بالطبع وسائل الإعلام ذاتها. 

هناك ظاهرة أخرى باتت منتشرة على ألسنة طلاب الجامعات خصوصا، هي خليط هجين من اللغتين العربية والإنجليزية يستعمل على نطاق واسع كبديل عن التحدث بالعربية ولا يقتصر استخدامها على التفاهم إنما كلغة كتابة أيضا وهنا تكمن الخطورة. التساؤل هنا هو: كيف احتل هذا الهجين عقول أبنائنا؟ والإجابة كما يؤكد الخبراء أن الأمر ليس مرتبطا بتوجهات فكرية معينة لكن هذه الممارسة من قبل الشباب تأتي بشكل تلقائي لا تكلف فيه. آخرون يرجعون مثل هذه الممارسة إلى ما خلفه التدفق الحضاري للغة الإنجليزية بالتحديد من نوافذ لا حصر لها تعليمية وإعلامية وثقافية أسهمت في خلق هذا الهجين. 

في مقابل هذا الاستخفاف بالعربية فإنّ الذي لا تخطئه العين هو حالة الجهل والسطحية لدى الأغلبية الساحقة من الأجيال الجديدة بتراثهم الثقافي والعلمي. وحالة الفقر الثقافي هذه بلغت حد جهلهم برموز الأمة الثقافية والأدبية منذ قرون بعيدة ناهيك عن أنّ قلة بين هؤلاء تدرك أعلام العرب في الأدب والفكر وبقية العلوم الأخرى. 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية