العدد 3071
الأحد 12 مارس 2017
banner
برشلونة.. تعرف إيه عن المنطق؟!
الأحد 12 مارس 2017

سيتحدث المراقبون طويلا عن “الفوز العجائبي” الذي حققه عملاق الكرة الإسبانية برشلونة على حساب نظيره الفرنسي باريس سان جيرمان في ذهاب دور الـ 16 لمسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.

فبعد أن كان البارسا متخلفا بأربعة أهداف نظيفة في مباراة الإياب ظن الجميع أن الفريق الكتالوني في طريقه للخروج من المنافسة؛ نظرا لصعوبة التعويض بنتيجة كبيرة على منافسه الفرنسي في ظل تذبذب مستويات البارسا مع مدربه المبتدئ انريكي منذ بداية الموسم.

لكن ما حدث كان مخالفا لجميع التوقعات، إذ تمكن برشلونة من الفوز على فريق سان جيرمان بستة أهداف لهدف، وكأنه يقول لا مستحيل أمام البارسا. لا جاذبية أرضية على ملعب الكامب نو الذي كثيرا ما تهاوى الضيوف المترددون على بساطه الأخضر، ولعل الغريم الأزلي ريال مدريد يدرك هذه الحقيقة؛ لأنه شرب من الكأس المر في العام 2009 عندما كان جوارديولا يمسك معولاً ويهدم به كل القواعد البيانية والأرقام القياسية مع كتيبته الخرافية.

إذن، استطاعت كتيبة الرعب المنشقة عن “البرغماتية الكروية” في أوروبا المتفاخرة بالعقل البشري الذي يدير اللعبة الأكثر جنونا في التاريخ، كما يدير الأستاذ الروسي كاسباروف قطع الشطرنج، أن تثبت العكس لكل من شطح بأفكاره، وأعتقد أن “المارد الكتالوني” الذي اكتسح القارة العجوز في السنوات الأخيرة يمكن أن تنطبق عليه المعايير الطبيعية.

 

فلسفة كروية 

اعتقد الأوروبيون أن كل شيء يمكن أن يقاس بـ “النظرية النسبية” لأينشتاين، فكل لاعب يجري ويتحرك ويسدد وفق “سيناريوهات” مكتوبة بدقة؛ لضمان نجاحه في تمثيل الدور المنوط به على أكمل وجه، وكأنه يخوض “فيلما سينمائيا” مرشحاً لجوائز الأوسكار الهوليودية، إلا أن لاعبي برشلونة أثبتوا أنهم ليسوا ممثلين بارعين، فكان خروجهم الفوضوي عن النص خصوصا البرازيلي نيمار أجمل ارتجال يمكن أن يحدث في عالم كرة القدم؛ لأنه أعاد الفريق من القاع إلى القمة في ظرف 9 دقائق فقط!

إنها فلسفة كروية عريقة، فلم يعرف الكتالونيون طوال تاريخهم إلا التمرد على المنطق.

كانت هناك أفكار غريبة تجول في رأس قيادة النادي في السبعينات لابتكار أسلوب كروي يكسر القاعدة الثابتة.

استعان النادي الإسباني العام 1974 بالداهية الهولندية المدرب رينوس ميتشيلز مبتكر الكرة الشاملة ليحقق مآربه، فاستكمل بعده الأسطورة يوهان كرويف في العام 1988 مشوار تطبيق الكرة الشاملة وتأسيس معهد “لا ماسيا” لاكتشاف المواهب في عمر صغير وتدريبهم على أساليب اللعبة.

أصبح الأسلوب غير التقليدي ثقافة راسخة في لاعبي برشلونة المتخرجين من المعهد من أمثال جوسيب غوارديولا، تشافي هيرنانديز، أندريس إنيستا، سيسك فابريغاس، لويس غارسيا، جيوفاني، جوناثان، فيرناندو نافارو، ليونيل ميسي، تياغو الكانتارا، جيرارد بيكي، فيكتور فالدرز وآخرين أصبحوا متناثرين في الأندية الأوروبية ممن ضاقت بهم جدران النادي الكتالوني. 

واللافت هنا أن اللاعبين المتخرجين من “لا ماسيا”، لم يشكلوا العمود الفقري لبرشلونة الذي فاز بكل الألقاب الممكنة بالسنوات العشر الأخيرة فحسب، وإنما يشكلون أيضا العمود الفقري للمنتخب الإسباني المتوج بكأس العالم وأمم أوروبا بفضل وجود 9 لاعبين، كان 7 منهم أساسيون في تشكيلة “الماتادور” و “البارسا”.

 

الفوضى الخلاقة

“الارتجال” هو الشيء الذي يميز برشلونة عن أقرانه من الفرق الأوروبية. قبل المباراة، قيل بأن المستحيل أقرب إلى البارسا من عبور فريق العاصمة الفرنسية بعد الخسارة القاسية في باريس. والأكثر من ذلك أن المحللين أجمعوا على تراجع مستوى فريق انريكي واعتبروه غير قادر على تنظيم أوراقه، غير أن فوضى برشلونة الخلاقة حسمت الأمور لصالح اللامنطق.

لم يفكر اللاعبون في أي من الأفكار التي روج لها الإعلام بحتمية خروجهم من البطولة.

ببساطة شديدة لعب الفريق بمنطق كرة القدم، وهو عدم الاعتراف بالمنطق، وليس غريبا على فريق يعرف جيدا كرة القدم أن ينجح في ذلك، إذ يكفيه فخراً أن أساطير الساحرة المستديرة عبروا محيطه ذات يوم ليتركوا بصمتهم الخاصة، ابتداء بمارادونا وروماريو وفيغو، مروراً بريفالدو ورونالدو ورونالدينهو، وانتهاء بميسي الذي جيء به مريضا من المستعمرات السابقة في أميركا الجنوبية؛ ليصبح ملكاً على عرش اللعبة، لكن الملك ليس وحده من يحكم في مملكة برشلونة، ثمة آخرون على الدوام يصعدون إلى سدة الحكم كلما دعت الحاجة. وكان نيمار هو الملك في تلك الأمسية المجنونة.

هذا هو الإرث الذي يستند إليه برشلونة.. “كرة القدم لا تعترف بالمنطق”، ولو كانت لخبا بريقها منذ سنوات اعتقدنا فيها أن الساحرة المستديرة لم تعد قادرة على اجتراح المعاجز والأعاجيب؛ بسبب انهزامها أمام المنطق الخططي والتكتيكي!

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية