العدد 3087
الثلاثاء 28 مارس 2017
banner
المتعصب الرياضي.. "داعشي كيوت"
الثلاثاء 28 مارس 2017

 

في لحظة من اللحظات، تشعر كما لو أن أحدًا فتح "مزابل التاريخ" ليُخرج أفكارًا قاتمة عفى عليها الزمن، تمامًا كما هو "الفكر الداعشي" الذي يدّعي منظروه تطبيق الشريعة بقطع الرؤوس وسبي النساء، رغم أن علماء المُسلمين المعتبرين يجمعون على أنه فكر يشوّه صورة الإسلام المحمدي القائم على التسامح والتصالح وقبول الآخر.

 

و"الفكر الداعشي" موجود على أرض الواقع في كل مكان، إنه المارد الذي خرج من قمقم الجاهلية ليعيد الناس إلى العصور الوسطى عندما كان الحجر والمنجليق يعبّدان الطريق إلى نشوء ممالك ودويلات بنت أمجادها على جماجم البشر، وهذه البشاعة تعود إلى واحدة من أكبر مآسي البشرية والمتمثلة في "التعصب" لأنه إنكار للحقيقة والحق، فترى الداعشي ومن على شاكلته لا يرى في الحياة حياة، ويفضل موته وموت من حوله لاعتقادات واهية.

 

وللتعصب عدة أوجه، فهو كالحرباء، يتغيّر تغيّر الحال، لكنه مستمر في حربه الأزلية على الحضارة والعقل، وطالما أننا نعيش في زمن "داعش"، فقد أصبحت الأسلحة أكثر وحشية وقسوة وكله باسم الدين، وباتت ثقافة "قطع الرؤوس" محل اختلاف بين مشجّع ورافض، بعد أن كانت من المحظورات والمحرمات، وكأنما تغلغل "داعشي صغير" داخل الكثير من البشر، يتربص باللحظة المناسبة ليخرج ما في داخله من كراهية!

 

والرياضة كغيرها من القطاعات، عانت كثيرًا من "الفكر الداعشي"، فالمغالاة في التشجيع حدّ التطرف أصبح آفة تعصف بجمالية التنافس الشريف وتقبّل الخسارة، رغم أن الرياضة ليست مضمارًا للعداوة والبغضاء، حتى أن الألعاب القتالية العنيفة، يطلق عليها "الفن النبيل"؛ لأنها تنافس لإثبات القوة وليس القسوة، وهذا ما يُبرّر عدم شعور الملاكم بالحرج عندما يعانق منافسًا أشبعه ضربًا في النزال على حلبة تناثرت عليها قطرات دمه.

هنا تكمن القيمة التنافسية النبيلة في الرياضة، وليست تلك التي زحفت باتجاه الملاعب والصالات الرياضية، فتحوّل بعض المشجعين داعشيين في آرائهم وتصرفاتهم.

 

وإن كان ذاك "الاسلاموي الداعشي" يقطع رأس ضحيته بالسكين، فهذا "الرياضوي المتعصّب" يقطع رأس ضحيته بالاستهزاء والتحقير. والنتيجة واحدة على كل حال. فهذا إرهابي وذاك يحمل فكرًا إرهابيًّا. كلاهما لا يرى غير لونه. وهؤلاء مع الأسف حرموا أنفسهم من متعة التنوع في الألوان المتماهية على قوس قزح. إما معي أو ضدي!

 

ودون تشبيه بالمعني الحرفي، الرياضة والإسلام؛ يحملان طبيعة تنافسية للفوز بالجائزة الكبرى. الأولى "كأس ودرع". والأخيرة "فردوس ونعيم". ويتكآن على قاعدة أخلاقية ومبادئ إنسانية سامية. فالأكيد أن الداعشي لن يتناول وجبة الغداء مع النبي محمد أو الحور العين بتفجير نفسه، ولن يلتقط المتعصب "سلفي" مع كريستيانو رونالدو أو ليونيل ميسي بإيذاء الآخرين، ومهما فعل، فلن يكون سوى "داعشي كيوت" ليس أكثر!

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .