+A
A-

سنة مع وقف التنفيذ لـ"عيسى قاسم" وآخران وتغريمهم 303 آلاف دينار

 

المحكمة أكدت أنهم لن يعودوا لارتكاب ذات الجرم

 

حكمت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة برئاسة القاضي علي خليفة الظهراني وعضوية كل من القاضيين أسامه الشاذلي ووائل إبراهيم وأمانة سر أحمد السليمان، بحبس عيسى قاسم "75 عامًا" ومتهمان آخران "49 و71 عامًا" بالحبس لمدة سنة واحدة لكل منهم، وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ٣ سنوات تبدأ من تاريخ صيرورة الحكم نهائيًا.

كما أمرت بتغريم كلاً منهم مبلغ ١٠٠ ألف دينار، وبمصادرة المبلغ المتحفظ عليه والبالغ قدره ٣ ملايين و٣٦٧ ألف و٣٠١ دينار المودع بحسابات عيسى قاسم لدى أحد البنوك، وكذلك بمصادرة العقارين والمملوكين له، عما أسند إليهم بتهمة غسيل الأموال بإجراء عمليات سحب وإيداع وتوزيع لتلك الأموال وشراء لإخفاء مصدرها ولإضفاء المشروعية عليها على خلاف الحقيقة، وأمرت في البند رابعًا من الحكم بتغريم كل منهم مبلغ ١٠٠٠ دينار عن تهمة جمع الأموال بدون ترخيص.

 

الطعن الدستوري

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن الدفع بعدم دستورية مواد القانون 21 لسنة 2013 استنادًا إلى أن نصوص ذلك القانون تقيد حرية إقامة الشعائر الدينية لدى المكلفين في الفقه الجعفري بأداء فريضة الخمس المفروضة لديهم ومخالفة نصي المادتين 2 و22 من الدستور، فذلك الدفع غير جدي؛ للنيل من دستورية القانون، إذ أن تدخل المشرع بالتنظيم لعملية جمع المال للأغراض الدينية لا يتنافى مع حرية إقامة الشعائر الدينية.

ولفتت إلى أنها تعرض عما قرره شهود النفي؛ لعدم ثقتها بما شهدوا به، كما لم تعوِّل على إنكار المتهم الثاني للاتهام بجلسات المحاكمة لافتقار ذلك الإنكار إلى سنده من الأوراق.

 

رفض الإبعاد

وأضافت أنه عن طلب النيابة العامة تطبيق عقوبة الإبعاد على عيسى قاسم، استنادًا إلى صدور الأمر الملكي السامي الصادر بالمرسوم رقم (55) لسنة 2016، بإسقاط الجنسية عنه، فلما كان الثابت أن المرسوم قد صدر بعد ارتكاب المتهم للفعل محل الاتهام وكان المتهم وقت ارتكابه الفعل محل الاتهام يتمتع بالجنسية البحرينية، وكان من المقرر وفقًا لنص المادة (20) من دستور مملكة البحرين، أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها، وكان من المقرر وفقًا لنص المادة (1) من قانون العقوبات أنه يطبق القانون النافذ وقت ارتكاب الجريمة، ويرجع في تحديد زمن الجريمة إلى وقت وقوع الفعل بصرف النظر عن وقت تحقق نتيجته.

لما كان ذلك كذلك وأخذًا بحالة المتهم من حيث الجنسية وقت ارتكابه الفعل وتمتعه بالجنسية البحرينية آنذاك فالمحكمة ترى أنه لا محل لتطبيق عقوبة الإبعاد المنصوص عليها في المادة (64) مكرر من قانون العقوبات، وترفض المحكمة ذلك الطلب وتكتفى بالإشارة الى ذلك بالأسباب دون المنطوق.

 

لن يعودوا للجرم

وتابعت، وحيث أن المحكمة إذ تضع موازين القسط وهي بصدد تقرير العقوبة بعد أن أحاطت بوقائع الدعوى عن بصر وبصيرة، ونظرًا لظروف الواقعة وملابساتها وكون عيسى قاسم طاعنٌ في السن وبلغ من الكبر عِتِيَّا، وخلت صحيفة المتهمين من ثمة سوابق، فالمحكمة تأخذ المتهمين بقدر من الرأفة عملاً بنص المادة (72) من قانون العقوبات، وترى المحكمة مناسبة ما قدرته من عقوبة وفق الثابت بمنطوق هذا الحكم وأخذًا بما ساقته المحكمة من أسباب للرأفة بالمتهمين، فالمحكمة ترى كذلك أن المتهمين لن يعودوا إلى ارتكاب مثل ذلك الجرم مستقبلاً  وعملاً بنصي المادتين 81، 83 من قانون العقوبات، فالمحكمة تأمر بإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم نهائيًا.

 

أعمال خيرية

وبينت المحكمة أن المادة 14/2،4 من المرسوم بقانون رقم (21) لسنة 2013، نصت على أنه: يعاقَب بالسجن المؤبد أو السجن الذي لا يقل عن عشر سنوات وبالغرامة التي لا تقل عن 100 ألف دينار ولا تجاوِز 500 ألف دينار، كل مَن جمع أموالاً لغرضٍ إرهابي.

ويعاقَب بالحبس وبغرامة لا تتجاوز 1000 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مَن قام بجمْع أموالٍ للأغراض العامة دون الحصول على ترخيص وفقًا لأحكام هذا القانون، ويُعتبَر جمْع المال لغير الأغراض العامة المنصوص عليها في هذا القانون ظرفًا مشدَّدًا.

ويعاقَب على مخالفة باقي أحكام هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذًا له بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر وبغرامة لا تتجاوز 500 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وفي جميع الأحوال تقضي المحكمة بمصادرة الأموال التي تم جمْعها أو أية أموال مساوية لها في القيمة تكون مملوكة لمرتكب الجريمة، وتؤول الأموال محل المصادرة لصالح الأعمال الخيرية التي تحددها الوزارة.

 

وقائع الدعوى

وأوضحت المحكمة أن واقعة دعوى التي استقرت فى يقينها واطمأن إليها ضميرها مستخلصة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها من إجراءات بجلسة المحاكمة تتحصل في أن عيسى قاسم "المتهم الأول" قد دأب على جمع المال من المواطنين بدون ترخيص، ولما اتسع نشاطه غير المشروع أنشأ مكتب للاستشارات الدينية والأسرية، وبدلا من أن يؤسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان، أسسه على شفا جرف هار  معلنًا نفسه أنه وكيلاً للمرجع الديني الإيراني  السيد علي الحسيني السيستاني، واتخذ  من الدين عباءةً له لجمع المال بدون ترخيص ونظم ذلك المكتب واتخذه ستارًا لنشاطه.

وأضافت أنه تولى رئاسته وتولى المتهم الثاني إدارته، وتولى والمتهم الثالث عمليات جمع المال من المواطنين ذوي الوازع الديني، وكانت عمليات جمع المال تتم بصفة يومية، ويقوم المتهم الثالث بنقل تلك الأموال بصفة يومية إلى عيسى قاسم وتسليمها إياه؛ لإيداعها في حساباته البنكية، لإخفائها وإضفاء المشروعية عليها، وتنفيذًا واستكمالاً لمخططه فقد قام بفتح 4 حسابات مصرفية لدى أحد البنوك، وعقب فتحه تلك الحسابات قام بعمليات مصرفية بإيداع للأموال المتحصلة من جريمة جمع المال بدون ترخيص.

وبينت أن تلك العمليات كانت تتم بصورة مجزئة وأقل من حد الإفصاح اللازم عن مصدر الأموال؛ بغرض إخفاء المال وإضفاء المشروعية عليه، واستمرارًا لنهجهم في إخفاء المال المتحصل من جريمة جمع المال بدون ترخيص ولإضفاء المشروعية عليه قام المتهم الأول بتاريخ 14/2/2010 بعملية تبيض لجزء من المال المتحصل من جريمة جمع المال بدون ترخيص بشراء عقار بمنطقة كرانة بمبلغ 500 ألف دينار من المالك له، والذي استلم من عيسى قاسم شيكين، الأول بمبلغ 300 ألف دينار والثاني بمبلغ 200 ألف دينار، وحرر له وكالةً تبيح له البيع لنفسه وللغير واتخاذ إجراءات التسجيل، ونقل عيسى قاسم ملكية العقار لنفسه بموجب عقد البيع، واستلم العقار، ونقل فيه نشاط مكتب الاستشارات المذكور آنفًا لجمع الأموال بدون ترخيص تحت ستار تقديم الاستشارات الدينية.

واستمر قاسم والآخران في جمع المال في ذلك المكتب بدون ترخيص حتى زاد المال في يده، ففكر في شراء عقارًا آخر لإخفاء المال المتحصل من جريمة جمع المال بدون ترخيص ولإضفاء صفة المشروعية عليه فكلّف المتهم الثاني بالبحث له عن عقار وتوصل إلى عقار بمنطقة أبوصيبع، وتفاوض عن طريق المتهم الثاني مع مالكه على السعر، والذي أخبره بأن مشتري العقار هو عيسى قاسم، واتفقا على سعر قدره 580 ألف دينار، واصطحب المتهمين الثاني والثالث مالك العقار لقاسم، وحررا عقدًا عرفيًا وُقّع عليه من المتهم الأول كمشترى ومن البائع ومن المتهمين الثاني والثالث كشهود، وسلّم المتهم الأول للبائع مبلغ نقدي قدره 200 ألف دينار واصطحبه إلى البنك الذي يحتوي على حساباته، وأودع في حساب مؤسسة مملوكة لزوجة البائع مبلغ 300 ألف دينار، واتفقا على أن باقي المبلغ وهو 80 ألف دينار تسدد على أقساط سددت وتنازل منهم البائع عن مبلغ 20 ألف دينار، وتمكن المتهم الاول من نقل ملكية العقار وتسجيله باسمه.

وأشارت المحكمة إلى أنه وبعد إتمام المتهمين لتلك العمليات استمروا في نشاطهم الإجرامي من جمع المال بدون ترخيص حتى وصلت قيمة الأموال المودعة في حسابات عيسى قاسم مبلغ قدره 5 ملايين و328 ألف و801 دينار و70 فلسًا، رغم أن قاسم قد توقف عن إيداع الأموال في بداية شهر أغسطس عام 2013، وقام بعمليات سحب بلغت قيمتها مبلغ 1,961,461 دينار وسبعون فلسًا، منذ فتح الحسابات في شهر مايو 2016، منها مبلغ 576,840 دينارًا سحبها المتهم الثاني من حسابات المتهم الأول بشيكات على فترات متقطعة منذ عام 2013، وحتى تاريخ 12/5/2016.

ولفتت المحكمة إلى أن تلك العمليات من إيداع ونقل وسحب وشراء كانت تتم بغرض إضفاء صفة المشروعية على المال المتحصل من جريمة جمع المال بدون ترخيص مع علمهم بذلك حتى تبقى في حسابات المتهم الأول لدى البنك مبلغ قدره 3,367,301 دينار، متحصل من نشاطهم الإجرامي واستمروا في فعلهم الإجرامي في جمع المال بدون ترخيص حتى ضبط الواقعة في مارس 2016، غير عابئين بالقانون وأحكامه.

 

تقليل الرسوم

وأشارت المحكمة إلى أن المالك السابق لعقار كرانة شهد بتحقيقات النيابة العامة أنه بعد عرضه العقار للبيع حضر إليه أحد الدلالين وأخبره برغبة عيسى قاسم في شراء العقار، فتفاوضا على السعر، واتفقا على أن يكون بمبلغ 500 ألف دينار، واتفقا على الالتقاء بمكتب التوثيق وهناك تقابل مع قاسم، والذي سلمه شيكين إداريين الأول بمبلغ 200 ألف دينار، والثاني بمبلغ 300 ألف دينار، وآنذاك طلب منه المتهم الأول أن يثبت السعر بسعر مغاير في العقد أقل من السعر الحقيقي -بغرض تخفيض الرسوم- فأخبره بأنه سيحرر له وكالة وهو وشأنه بعد ذلك، وحرر له وكاله له تبيح البيع لنفسه وللغير وعلم بعد ذلك بأن المتهم بالفعل أثبت في العقد مبلغًا أقل من السعر الحقيقي، ولقد سلم المتهم الأول العقار منذ تاريخ البيع، فيما قر صاحب العقار الثاني أن قاسم أثبت أن ثمن العقار الذي اشتراه منه بسعر أقل من الحقيقي لذات السبب، كما أشار إلى أن المتهم الثاني أبلغه أن مصدر هذه الأموال هو الخُمس.

 

ثبوت الواقعة

وثبتت الواقعة لدى المحكمة بحق المتهمين من أقوال 3 ضباط برتبة ملازم أول، وما شهد به صاحبي العقارين وكذلك مسؤول في وزارة العدل، وما ثبت من تقرير  مصرف البحرين المركزي، وما ثبت من خطاب مدير إدارة المنظمات الاهلية بوزارة التنمية بعدم منح عيسى قاسم ترخيصًا لجمع الأموال للأغراض العامة، وما ثبت بعقدي بيع العقارين، وإقرار المتهمان الثاني والثالث بتحقيقات النيابة العامة، وصورة كتاب المتهم الأول لمدير البنك الذي فيه حسابات عيسى قاسم.

 

تحليل مالي

كما استلمت المحكمة من مصرف البحرين المركزي في جلسة سابقة، تقريرًا مكونًا من 10 صفحات و9 مستندات مرفقة معه، كانت طلبته من المصرف، حول عمليات السحب والإيداع الخاصة بحسابات "عيسى قاسم" لدى أحد البنوك، والذي أرسل للمحكمة تحليلاً ماليًا مفصلاً بشأن تلك الحسابات الأربعة التي يملكها قاسم، كما سلّمت بدورها محامي المتهم الثاني نسخةً من التقرير المذكور.

وتبين للمحكمة من خلال التقرير المشار إليه، تواريخ فتح حسابات "عيسى قاسم"، والتي تم التحفظ عليها في وقت سابق، وأرقامها، والمخوّل بالتوقيع فيها، وأن التقرير تضمن إفادة بأن قاسم أرسل خطابًا للبنك في وقت سابق أنه يودع تلك الأموال لتحويلها إلى الوكيل العام للمرجع علي السيستاني.

وثبت بعد إجراء عملية التحليل المالي لتلك الحسابات لبيان جملة المبالغ المودعة في حسابات قاسم، حسب ما طلبته المحكمة من المصرف، أن قاسم يمتلك 4 حسابات بنكية لدى أحد البنوك -والذي تمت تصفيته في وقت سابق- وأن جملة المبالغ التي تم إيداعها في تلك الحسابات خلال فترة الفحص التي أجراها المصرف، قد بلغت 5328801,070  دينارًا (خمسة ملايين وثلاثمائة وثمانية وعشرون ألفًا وثمانمائة وواحد دينار وسبعون فلسًا).

وجاء في التقرير أن إجمالي المبالغ المسحوبة 1,961,461.070 دينار (مليون وتسعمائة وواحد وستون ألفًا وأربعمائة وواحد وستون دينارًا وسبعون فلسًا).

في حين تم التحفظ على مبلغ إجمالي من المبالغ المتبقية وقدره 3,367,301 دينار (ثلاثة ملايين وثلاثمائة وسبعة وستون ألفًا وثلاثمائة وواحد دينار).

كما أثبت التقرير أن المتهم الثاني في القضية قد أجرى عمليات سحب لجزء من الأموال المسحوبة من تلك الحسابات الخاصة بعيسى قاسم، والتي بلغ مقدارها 576840 دينارًا (خمسمائة وستة وسبعون ألفًا وثمانمائة وأربعون دينارًا) بواسطة شيكات، أرفقت صورًا لها في تقرير المصرف.

وكانت النيابة العامة تقدمت قبل إغلاق باب المرافعة بمرافعتها في الدعوى، والتي طالبت في آخرها تطبيق أقصى عقوبة واردة في القانون بحق المتهمين.

 

الاتهامات الثابتة

وأفادت المحكمة أنه من جماع ما تقدم فإنه يكون قد وقر في يقينها أن عيسى قاسم والمتهمان الآخران، أنهم في غضون الفترة من العام ٢٠٠٩ وحتى عام ٢٠١٦، أولاً: اكتسبوا وحازوا المبالغ المالية المبينة بالتحقيقات وأخفوا طبيعتها ومصدرها ومكانها مع علمهم بأنها متحصّلة من جريمة جمع الأموال بدون ترخيص، بأن أجروا عليها عمليات سحب وإيداع وشراء وتوزيع في ما من شأنه إظهار أن مصدرها مشروع على خلاف الحقيقة، وذلك على النحو المبين تفصيلاً بالتحقيقات، ثانيًا: جمعوا أموالاً للأغراض العامة دون الحصول على ترخيص وذلك النحو المبين في التحقيقات.