العدد 3324
الإثنين 20 نوفمبر 2017
banner
الانسحاب الكبير
الإثنين 20 نوفمبر 2017

لا ندري كيف نوصّف يومنا، لنعرف كيف نوصّف أو نتوقع غدنا، ولكن في الحالتين غموض أشبه ما يكون بالسباحة في بحر من الظلمات، لا يدري من يسبح أيهما أوضح، العوم على سطحه أم الغوص في باطنه؟ فالأمر سيّان ما بين الاثنين، ذلك أن الأحداث المتلاحقة منذ سنوات جعلت الدُّوار الذي يلف الرؤوس أكثر سرعة من ذي قبل.

سيكون توصيفاً أولياً القول إنّ الشعوب العربية باتت اليوم في حالة انسحاب كبير من كل شيء، على اعتبار التركيز على الداخل الأهم والأولوية، وهو ما على المواطن الحق أن يبرهن عن وطنيته من خلاله، هذا على الرغم من التوجيه القرآني بأخوّة المؤمنين، وعلى التوجيه النبوي بالتراصّ والاهتمام بأمر المسلمين، فقد انحسرت المسألة إلى القوميات وحسب، وبدأ التفتت بحسب العصبيات، واكتفينا بأمة واحدة من البحر إلى البحر، ولكن سرعان ما تبدّى لنا مشرق الوطن العربي ومغربه، وما عدنا نقول وطناً عربياً، بل اتّبعنا الغرب حذو القذّة بالقذّة وصرنا نقول “العالم العربي”، فما عاد هذا وطناً، وإنما عالماً، والعالم فيه دول واختلافات. صرنا لا نعرف، ونحن في زمن التواصل والاتصال، ما الذي يجري في بقاع الوطن العربي البعيدة نوعاً ما عنا، والغريبة كثيراً، كما غرابة وغربة هذه المنطقة بالنسبة لهم. وقلنا: حسناً، لنركّز على القضية الفلسطينية كونها القضية المركزية والوجودية، والجدار الذي إن وقع تهاوت من بعده جميع الجدران التي تجعلنا أمّة، فخرجت لنا القطرية المنادية بالأوطان (الأقطار) أولاً، ليرفع كلٌّ يده من القضايا المختلفة، وصار ما يحدث في أي بلد علينا أن نراه ببلادة وبلاهة بوصفه شأناً داخلياً لا علاقة لنا به، وبعد أن ينتهي الحدث إن كان ساخناً، نعود إلى ما كنا نعمل، ولنا في موقف رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، عبرة وعظة، عندما رفع صوته في وجه مندوب دولة الاحتلال، أول من قام عليه جماعته بأن: “ما لك ولإسرائيل؟!” وساق له البعض مواقف لآخرين سبقوه وفعلوا هذا الشيء وانتهت بلادهم بالدّمار والخراب، فـ “خلّك” في همّك ولا ترفع عنه رأسك، أما المنافحون عن الشأن الفلسطيني فصار يُنظر إليهم كمن يدافع عن استعادة “الزمن الجميل” الذي ذهب بلا عودة. وهذا انسحب على الحالة السعودية الأخيرة خصوصاً في شأن محاربة الفساد!

صارت دوائر الاهتمام تبهت وتتلاشى لدى الناس، حتى تعدّت علاقة الأبوين بأبنائهما تحت شعار الحقوق، وربما سيكون مستقبلاً لا علاقة للإنسان بنفسه... أية فرصة هذه لمن أراد أن يعبث؟!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .