العدد 3361
الأربعاء 27 ديسمبر 2017
banner
نحو لوبي خليجي موحد في أميركا
الأربعاء 27 ديسمبر 2017

من بين الأمور المهمة الجديرة بالدراسة والتحليل في العلاقات بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأميركية عدم وجود لوبي خليجي موحد وقوي في أميركا إلى وقتنا الراهن رغم ذلك التاريخ الطويل من التعاون والعلاقات المتشابكة والمتنوعة بين الجانبين والأهمية الإستراتيجية الفائقة لهذه العلاقات.

معروف أن اللوبيات أو جماعات الضغط تعد أحد أهم وسائل ممارسة العمل السياسي في الولايات المتحدة، ولذا تسارع العديد من الدول إلى تكوين لوبيات كحق يسمح به الدستور الأميركي وذلك لرعاية مصالحها والتأثير على القرار الأميركي، ونحن لا يمكن أن ننسى ذلك الدور الخطير الذي لعبه اللوبي الإيراني في تحقيق مكاسب كبيرة لإيران لعل من أهمها وأخطرها توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية، وضمان تمرير هذا الاتفاق في الكونجرس الأميركي.

على الجانب الآخر، نجد أن دول الخليج فشلت في خلق لوبي قوي ومتماسك داخل أميركا، وترتب على ذلك آثار سلبية كثيرة، وجعل دولنا تستقبل الصدمات وتعاني في كثير من الأوقات جراء سياسات أميركية لا تتفق والمصالح الخليجية ولا تراعي هذه المصالح، وسمح لبعض الإدارات الأميركية أن تنحاز دون تكلفة لدول أخرى مثل إيران، ولنا فيما شاهدناه في عهد الرئيس السابق أوباما وما فعلته إدارته من دق للأسافين في هذه العلاقات المثال على ذلك.

ويكمن سر نجاح اللوبي الإيراني في التخطيط الجيد والإعداد المحكم والطويل، فلم يكن طارئًا أو عشوائيًا، وإنما لوبي مدروس، فساهم في تحقيق حلم إيران في توقيع الاتفاق النووي، رغم شعارات “الموت لأميركا” التي ترفعها إيران.

لا يمكن أن ننكر وجود محاولات لصناعة لوبي خليجي في أميركا، لكنها تظل محاولات منقوصة أو غير مبنية على أسس للفهم العام لصناعة اللوبيات، وهو ما أكده كتاب للدكتورة دانية قليلات الخطيب والمعنون (اللوبي الخليجي العربي في أميركا بين الطموح والواقع)، والصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، والذي يغوص بعمق في دهاليز السياسة الأميركية وسبر أغوار صناعة اللوبي في أميركا، متناولاً تجربتين خليجيتين إحداهما ناجحة والأخرى لم يكتب لها النجاح.

أما التجربة الأولى الناجحة، فهي التجربة السعودية، والتي أدت لإتمام صفقة شراء طائرات الأواكس والإف 15 قبل أكثر من 30 عاما، بعد ما تمكنت السعودية من التغلب آنذاك من تجاوز مواقف مجلس النواب الأميركي والمعارضة الإسرائيلية لهذه الصفقة بأن هيأت أرضية صلبة من تأييد مجموعة من التجمعات الأهلية والحزبية.

أما التجربة الأخرى التي لم تحقق نجاحًا مشابها للتجربة السعودية، فهي تجربة الإمارات العربية المتحدة عندما أرادت أن تستحوذ على حقوق تشغيل 6 موانئ أميركية رئيسية بمبلغ 6.8 مليارات دولار، حيث لم تكتمل هذه الصفقة بسبب نجاح شركة أخرى منافسة في الضغط على صانع القرار وكسب تأييد الراي العام.

القصد من هذه الإشارة السريعة لهاتين التجربتين التأكيد على جملة من الحقائق المؤثرة في طبيعة ومسيرة العلاقات الخليجية الأميركية، ومن أهمها أنه رغم هذه السنوات الطويلة من العلاقات المشتركة، إلا أنه لا يوجد حتى لوبي خليجي واحد على الأقل متماسك، وأن خلق هذا اللوبي على أسس صحيحة ومستدامة ضرورة إستراتيجية؛ كونه أداة فاعلة للتعامل مع الإدارات الأميركية المتغيرة، ومؤثرة في حماية المصالح الخليجية وعدم جعلها عرضة للتغيرات وفقًا لأهواء وميول صانع القرار الأميركي، ويمكن أن نستفيد من التجربة الإيرانية وكذلك التجربة الهندية في صناعة اللوبيات.

أما الحقيقة الأهم، فهي أننا قادرون على ذلك، ونملك العدد والعدة التي تمكن دولنا من تحقيق هذا الهدف، ولا ينقصنا سوى الإرادة والعزم ووضع رؤية وخطط واضحة، وأن نتحلى بالصبر والنفس الطويل لننتقل في علاقاتنا مع الولايات المتحدة الأميركية لمستوى أعلى في التأثير؛ حتى تكون مصالحنا الخليجية قوية ومتماسكة أمام أي رياح متغيرة من السياسة الأميركية، وألا تكون هذه المصالح عرضة للابتزاز بسب التغيرات في الإدارات الأميركية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .