+A
A-

بعد ضربات.. "قاعدة" شمال إفريقيا تعاني نزيفاً بالقيادات

تنظيم القاعدة في منطقة شمال إفريقيا يخسر يوماً بعد يوم قادته البارزين، الذين وقع تصفية أغلبهم على الأراضي التونسية، ويواجه حصارا شديدا على معاقله في الجبال، الأمر الذي حدّ من نشاطه في السنوات الأخيرة وأضعف قدرته على شن هجمات إرهابية خاصة في تونس و الجزائر.

هذا النزيف الداخلي لدى تنظيم القاعدة والذي سبقته انشقاقات في قواعده لصالح تنظيم داعش، جعله اليوم يعيش في حالة فراغ يعمل خلالها على إعادة هيكلة فروعه وبنائها من جديد، عبر القيام بعمليات استقطاب جديدة، مستغلا في ذلك الوضع الجديد لداعش، لاستعادة حضوره وتولي زمام المرحلة المقبلة.

سقط عدد كبير من رؤوس تنظيم القاعدة في الفترة الأخيرة سواء في الجزائر أو تونس والنزيف يتواصل في كل مرة، فتونس نجحت في القضاء على أكثر من 10 قادة التنظيم، آخرهم الإرهابي الجزائري بلال القبي، الذي يعدّ من قيادات الصف الأول للتنظيم واليد اليمنى لزعيمه مصعب عبدالودود (عبد المالك درودكال)، وذلك في كمين أمني في منطقة تربخانة بولاية القصرين قرب جبال سمامة، بينما كان في مهمة لإعادة ترميم كتيبة "عقبة بن نافع"، فرع القاعدة في تونس المنهار، وتوفي معه في ذات العملية الجزائري "البشير بن ناجي"، ويعرف بكنية "حمزة النمر"، وهو أمير سرية جبل سمامة بولاية القصرين، ويعد دليل كتيبة عقبة بن نافع في كل تنقلاتها بين تونس والجزائر.

وفي أغسطس عام 2017، قتلت القوات التونسية، القيادي الجزائري "مراد الشايب" وهو زعيم كتيبة "عقبة بن نافع" وعدة قادة آخرين، كما أعلنت السلطات التونسية في يوليو 2015 مقتل خمسة من عناصر تنظيم القاعدة بينهم ثلاثة من كبار قادة التنظيم على رأسهم "مراد الغرسلي" في عملية نفذت في جبل بوعمران بولاية قفصة جنوب البلاد، وقبلها بأشهر تم القضاء على القيادي المصنف خطير جدا ضمن كتيبة عقبة بن نافع، خالد الشايب الملقّب "بلقمان أبو صخر"، الذي قام بالتخطيط لتنفيذ الهجوم الإرهابي على متحف باردو في 18 مارس عام 2015، الذي أسفر عن مقتل 24 شخصا بينهم 21 سائحا أجنبيا من جنسيات مختلفة.

 وفي الجزائر، قتل 90 إرهابيا من تنظيم القاعدة بينهم عشرات القادة في مواجهات مع الجيش خلال الـ2017، وتم إيقاف 40 إرهابيا، بينما سلم 29 إرهابيا آخرا أنفسهم للسلطات العسكرية، كما أوقفت وحدات الجيش 203 عناصر دعم وإسناد للمجموعات الإرهابية، وهو العام الثالث على التوالي الذي تشهد فيه الجزائر تراجعا في عدد العمليات الإرهابية.

هذه الضربات القاصمة التي تلقاها تنظيم القاعدة بشمال إفريقيا، خاصه فرعه في تونس الممثّل في كتيبة "عقبة بن نافع،" أضعفت نشاطه في هذه الفترة التي اتسمت بتراجع هجماته وتهديداته الإرهابية، لكنها لا يمكن أن تطفئ جذوته نهائيا أو تعجّل بزواله وفق المراقبين، وهو التنظيم الذي أثبت قدرته على الصمود والتجدّد للحفاظ على وجوده واستمراريته والعودة في كل مرة إلى الواجهة.

وفي هذا السياق، اعتبر باسم السندي، المختص في تتبع الحركات والتنظيمات الإرهابية، أن الفرع المغاربي لتنظيم القاعدة "يعيش فترة انتقالية لا غير"، موضحا أنه "تنظيم قوي جدا يضعف أحيانا ويتعرّض لهزّات لكن لا يمكن أن يندثر أو يستسلم".

وأضاف لـ"العربية.نت": "صحيح أن تنظيم القاعدة فقد العديد من قياداته، وهو الآن بصدد تعويضهم والتركيز على إعادة تنظيم وهيكلة صفوفه وتوزيع المسؤوليات من جديد، خاصة بعد أنه اكتسب خبرة كبيرة في مجال الاستقطاب، إضافة إلى أنه بصدد ضبط موارده البشرية والمادية".

وأكد السندي أن خطر تنظيم القاعدة "ما زال قائما بمختلف فروعه التي تستغل كل مرة أي فرصة أو أي أزمة في المنطقة من أجل العودة"، رغم انحساره خاصة في تونس، أين لم تتمكن كتيبة "عقبة بن نافع" من فتح المجال لتنفيذ خططها، بعد ضربات موجعة تلقتها من قوات الأمن التونسية استهدفت معظم قياداتها، وزادت من تفككّها، ودفعتها إلى التراجع للوراء وحصر نشاطها في الجبال بعد تضييق الخناق عليها.

ومكّنت النجاحات الأمنية الأخيرة، الدولة التونسية من تجاوز مخاطر عديدة وتهديدات كبيرة وإحباط عدة هجمات إرهابية يقودها تنظيم القاعدة، لكن هذا لا يعني أن الخطر قد زال حسب السندي، خاصة في ظل استمرار وجود عشرات العناصر الإرهابية التي تتنقل في الجبال على الحدود التونسية الجزائرية وتتلقى الأوامر من القيادة المركزية في الجزائر والدعم اللوجستي والبشري والمادي.

وتابع: " كتيبة عقبة بن نافع تعيش هذه الأيام حراكا كبيرا بين جبال جندوبة والكاف حيث يتنقل عناصرها بحرية بعيدا عن أعين قوات الأمن، مستغلين صعوبة التضاريس وتوفر المياه والطرائد، وهي تسعى لاستقطاب عناصر متطرفة جديدة، ولا شك أنها تخططّ من وراء ذلك للقيام بعمليات خاطفة قد تكون أحيانا دموية من أجل إثبات وجودهم، خاصة أن عددهم يعتبرا مهما".

وتحدث وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي، قبل شهرين عن وجود حوالي 100 إرهابي يتحصنون بالجبال الغربية للبلاد التونسية على الحدود مع الجزائر، تقوم القوات العسكرية يوميا بعمليات استطلاع لتعقبهم ومراقبة تحركاتهم.

ولا يستبعد السندي أن يقوم تنظيم القاعدة باستغلال وضع تنظيم داعش الذي تراجعت شعبيته بعد القضاء على أغلب عناصره، لاستقطاب أو استرجاع قياداته التي انضمت لهذا التنظيم، مرجعا ذلك إلى أن "التنظيمين تجمعهما وحدة العقيدة والتعطش للدماء، كما أنهما أيقنا أن حالة الانقسام والتشرذم عادت بالوبال عليهما"، وبالتالي إمكانية توحد عناصرهما وقيادتهما من جديد والتقائهما "أمر وارد جدا"، خاصة أن "داعش خرج من رحم تنظيم القاعدة واستقطب عدة قيادات منه وعودته إليه هو بمثابة عودة الابن الضال إلى أمه".

ورغم بروز مخاوف من إمكانية انصهار التنظيمين، يتوقع الخبراء الأمنيون أن تكون السنة الحالية هي الأكثر أمنا في المنطقة خاصة في تونس، التي نجحت في استعادة استقرارها بعد تجفيف أهم منابع الإرهاب وضرب عدد من الرؤوس المدبّرة، إضافة إلى السيطرة على المساجد وتعليق نشاط العشرات من الجمعيات المشبوهة وتفكيك الخلايا النائمة، على الرغم من تعثر الوضع الإقليمي المحيط بها والذي تتصدّره الأزمة في ليبيا، حيث تترصد العناصر الإرهابية أي فرصة للدخول إلى الأراضي التونسية وتنفيذ هجمات إرهابية.