العدد 3428
الأحد 04 مارس 2018
banner
“بي بي سي” بين الموضوعية والاستعمار الفكري
الأحد 04 مارس 2018

لزمت الأمانة والموضوعية الأخبار كصفتين أساسيتين، حيث ينتفي الخبر ويخرج عن سياقه إذا تم الإخلال بموضوعيته أو أمانته العلمية، ووضعت هذه القاعدة الأساسية كشرط أساسي مترافق مع الواقعية والشمولية والذوق العام وتدرس في آلاف الجامعات كإطار واضح لمفهوم الخبر، متناسين أن الموضوعية والأمانة صفة نسبية، فما أراه أنا عين الصواب يراه غيري خطأ فادحا لا يغتفر، ولأن القائمين على الأخبار بشر مثلنا فإن تفسيرهم الأمور يتبع من منظورهم الخاص أو خلاصة تجاربهم وهو ما قد يؤدي إلى الوصول إلى نتائج تحليلية مخالفة من صحافي لآخر.

إلا أن الجانب الأكثر إهمالا هو السياسة الإعلامية للمؤسسة التي تصدر الأخبار، فكل مؤسسة تتناول الخبر حسب أهميته وقربه لها وخدمة مصالحها العامة، وعليه تقاس موضوعيتها في طرحه، وأستعرض هنا وإياكم هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” كمثال مهم على الساحة الإعلامية، حيث تعمد القناة منذ سنوات إطلاق مصطلح “تنظيم الدولة الإسلامية” على تنظيم داعش، راجعة ذلك إلى أنها تأخذ الأمور بمسمياتها وهو ما أختلف فيه بشدة، فالقناة “بي بي سي عربي” كما يعلم متابعوها موجهة إلى جماهير غفيرة ناطقة باللغة العربية وليس كل العرب مسلمين، وهو ما له وقع صدى رديء لدى المتلقي الذي يستشعر أن دولة الإسلام مرتبطة بالإرهاب الذي يصدره هذا التنظيم.

كما تعمل القناة بوضوح على هدم الرموز العملاقة لدى أكثر القوميات، فلا ننسى هجومها المتكرر على كل من المهاتما غاندي وجمال عبدالناصر وكلاهما اشتركا في محاربة الاستعمار البريطاني، ولا عجب في ذلك، فبريطانيا العظمى التي حركت أسطولها البحري واستقرت في الهند لسنوات طامعة في كل مواردها وعلى رأسها التوابل ومن ثم الحرير واللؤلؤ مستخدمة أبناء الهند في إنشاء البنية التحتية للدولة البريطانية الحديثة، لم تخرج من الهند والدول العربية صفر اليدين، بل خرجت موجهة لها استعمارا جديدا من نوع آخر يضرب في جذور الفكر ويتأثر به الجيل الجديد خصوصا ممن لم يقرأوا التاريخ جيدا.

ومع ذلك لا تزال قناة بي بي سي توصف بالموضوعية والأمانة على الأقل في نشرها نزاعات الدول معتمدة على نظرية اشتباك العبيد بعد غياب السيد الأجنبي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية