+A
A-

الليرة التركية.. قصة الهبوط وصراع السياسة والاقتصاد

شيئا فشيئا تتعقد الأمور وتتجه نحو الأسوأ، فلا أحد كان يتوقع أن تواصل الليرة كل هذه الخسائر، فالاقتصاد التركي لا يزال يتمتع بعوامل قوة ربما تآكلت بعض الشيء بسبب الأوضاع الجيوسياسية وارتفاع مستويات العجز في الميزان التجاري إضافة لأمور أخرى.

وقد دفع القلق من الهبوط المتواصل لليرة البنك المركزي التركي، اليوم الاثنين، للقيام بخطوة تستهدف تبسيط السياسة النقدية، حيث سيصبح سعر إعادة الشراء لأجل أسبوع هو سعر الفائدة الرئيسي، وذلك عند مستوى مساوٍ لسعر التمويل الحالي البالغ 16.5%، ما قلص طفيفا من خسائر الليرة.

وكغيرها من الدول، تعتبر العملة التركية مرآة للأداء الاقتصادي والاستقرار السياسي والأمني، ومسلسل الهبوط المتوالي جعلها تتربع على عرش العملات الأسوأ أداء منذ مطلع العام الجاري.

وبدأت قصة هبوط الليرة التركية طيلة الـ10 سنوات الماضية، وهي تشهد تراجعات قياسية، حيث كان الدولار يساوي 1.16 ليرة في 2007، وهو من أعلى المستويات للعملة التركية أمام الدولار، وقد انخفضت العملة إلى 2 ليرة لكل دولار للمرة الأولى في سبتمبر 2013، ثم واصلت تراجعها لتكسر حاجز الـ3 ليرات لكل دولار، في سبتمبر من العام الماضي، قبل أن تعود وتهبط إلى مستوى 4.7 ليرة مقابل الدولار.

ولتقريب الصورة فيما يتعلق بخسائر الليرة التركية خلال العام الحالي، فإنها خسرت نحو ربع قيمتها منذ مطلع 2018، حيث كان سعر الصرف مطلع العام 3.79 مقابل الدولار، فيما وصلت قيمته اليوم الاثنين 4.70 للدولار، أي أن خسائرها بلغت 24.16%.

ولا شك أن هذا الهبوط وراءه عدد من الأسباب، منها ما هو سياسي، وبعضها يرجع لأسباب اقتصادية.

وبحسب الشريك المؤسس لأكاديمية ماركت تريدر الأميركية لدراسات أسواق المال، عمرو عبده لـ"العربية.نت"، فإن بيانات البنك المركزي التركي، كشفت بلوغ العجز مستوى قياسيا في الربع الأول من العام الحالي بلغت 96% على أساس سنوي، وخلال مارس الماضي فقط بلغ مستوى العجز 54%، وهذا يعتبر من بين الأسباب الرئيسية لهبوط الليرة، حيث لم تنجح الحكومة في السيطرة على مستويات العجز المتفاقمة.

ويأتي ارتفاع مستوى الشكوك حول قدرة الاقتصاد التركي على التعافي، مع شكوك في الاستقرار السياسي والأمني، كثاني أبرز أسباب هبوط الليرة، حيث تدفع هذه الشكوك المستثمرين الأجانب أو حتى المحللين لعدم ضخ المزيد من الاستثمارات، ما يضغط على العملة.

هذه الشكوك، بحسب عمرو عبده؛ لا تدفع فقط بتقييد تدفق الاستثمارات، وإنما للتخارج من الاستثمارات الحالية، ومع تزايد هذه العمليات أو ما يعرف بالخروج المتزامن تتعمق أزمة العملة وتزيد من عمليات البيع، أو الطلب على الدولار.

ثالث أبرز العوامل يتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة، وكذلك ارتفاع الدولار، ومع توسع الأسواق الناشئة مثل تركيا في الاقتراض، فإن تكلفة الديون قد ارتفعت على هذه الدول، ومن بينها تركيا والأرجنتين، بالشكل الذي بدأ يؤثر على الأداء الاقتصادي.

ويرى عبده أن التدخل السياسي في إدارة الملفات الاقتصادية يعتبر أحد أسباب هبوط الليرة، حيث يوجد صراع خفي بين القادة السياسيين ومسؤولي السياسات النقدية والبنك المركزي التركي، من بينها ما يتعلق بأسعار الفائدة.

البنك المركزي أيضا قام بعمليات شراء واسعة للذهب منذ مطلع العام الماضي، وبحسب بيانات البنك المركزي فقد تم تنفيذ عمليات شراء 200 طن ذهب منذ مطلع 2017 وحتى نهاية الربع الأول من 2018.

خامس أبرز العوامل وراء هبوط الليرة يعود لارتفاع أسعار النفط، خاصة، بحسب عمرو عبده؛ أن تركيا تقوم باستيراد جزء كبير من استهلاكها من النفط، فقد استهلك ارتفاع أسعار النفط نحو 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي في تركيا.

وتستورد تركيا 90% من استهلاكها النفطي، ولذلك سعر النفط يؤثر سلبا في الليرة.

وبحسب مركز معلومات الطاقة الأميركي، استوردت تركيا 99% من احتياجاتها للغاز الطبيعي بمقدار 1.7 تريليون قدم مكعبة، 57% منها من شركة غازبروم الروسية، فيما تستورد النفط من إيران والعراق اللذين لهما نصيب الأسد من واردات النفط التركية.