العدد 3527
الإثنين 11 يونيو 2018
banner
شيخ الحكماء... يرحل
الإثنين 11 يونيو 2018

الحكمة.. ماذا تعني؟ ما هي مصادرها؟ لماذا تعتبر الحكمة الخاصية الأهم التي يجب، نعم أكررها مرة أخرى، يجب أن يمتلكها القائد الإداري؟ شغلتني هذه التساؤلات كثيرا، بل أصبحت تسيطر وبشيء من القوة على تفكيري كلما استمعت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى عبارات يكررها البعض في مناسبات معينة: هذا شخص حكيم، إنه قائد إداري محنك وحكيم، لقد اتخذ المسؤول قرارا حكيما... إلخ.. بحثت في الأمر وطفت في ثنايا بعض المؤلفات لعلي التقي بضالتي واهتدي للوصول إلى هدفي المنشود.

لم يطل الانتظار، فقد عدت إلى كتاب أهداه إليَّ أخي وصديقي الأستاذ حسن علي البنفلاح، وهو من تأليفه ويحمل عنوانا: “العظات والعبر في حياة الأنبياء والرسل” اقتبس منه هذه الأسطر التي أعتقد بأنها تجيب على تساؤلاتي تلك.

يعرف المؤلف الحكمة بأنها تعني: “مجموعة الخبرات والتجارب والعلوم المتجمعة لدى أي شخص خلال تجربته الحياتية”.  وعن مصادرها يقول: “هذه المكتسبات يحصل عليها الإنسان من مصادر متنوعة كالتعلم والاستفادة من تجارب الآخرين ومقاربة أفكار الناس ذوي العلم الغزير والتجارب المتعددة”. وحول علاقة الحكمة بالإدارة أو القائد الإداري، فان المؤلف يبين بأن هذه الخيارات والتجارب والعلوم تعطي بدورها قدرة امتلاك هذا الشخص لرجاحة الفكر وحسن التدبر يستخدمهما لإدارة شؤونه أو شؤون من يتولى أمره” انتهى الاقتباس.

هذا هو شيخ الحكماء، فاسم المرحوم سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة مقرون بهذه الصفة الجميلة “الحكيم” أو صاحب الحكمة.

كنت محظوظا وبحكم طبيعة عملي في ديوان الخدمة المدنية أن أتواجد في اجتماعات أو لقاءات عمل يدير دفتها باقتدار وحكمة المغفور له بإذن الله تعالى، بل لا أظنني أخرج عن دائرة الحقيقة إذا قلت بأن الإحساس الذي كان يتملكني وأنا أحضر تلك الاجتماعات بأني في رحاب مدرسة في الإدارة تعمل في ظلال الحكمة، وأنه عليَّ الإنصات والتعلم.

أستذكر جيدا أنه في أحد الاجتماعات قمنا أنا وزملائي بتقديم عرض لمشروع حول التدريب المهني، وعند الانتهاء كان تعليق سموه رحمه الله: لقد بينّ الإخوة الداء بعد تشخيصه وأوجدوا له الدواء في نفس الوقت... بارك الله فيكم. من الصعب: سيدي القارئ أن أصف لك شعورنا ونحن نستمع إلى تلك العبارات، والتي هي قمة الدافعية والحافزية بلغة الإدارة.

موقف آخر أستذكره، فقد دار نقاش جانبي في أحد الاجتماعات حول مدى استخدام الحزم والشدة في التعامل مع المرؤوسين... أذكر تعليق سموه رحم الله، وهو يقول: ربما اتفق معكم، ولكن يجب ألا ننسى بأننا نتعامل مع إنسان له كرامته واحترامه وذاته”.

تذكرت حينها وأنا أستمع إلى تلك العبارات ما قاله المرحوم غازي القصيبي في هذا المقام: “إن السلطة بلا حزم تؤدي إلى تسيب خطر، وإن الحزم بلا رحمة يؤدي إلى طغيان أشد خطورة”. رحم الله معلمنا وحكيمنا سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة الذي قال عنه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء الموقر “عبدالله بن خالد اختزل في ذاكرته تاريخ وطن وحضارة شعب.. وكان رمزا للعطاء”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .