العدد 3527
الإثنين 11 يونيو 2018
banner
كلها أمور بسيطة
الإثنين 11 يونيو 2018

في عام 1988 كنت في السنة قبل الأخيرة في الجامعة التي كانت تتعاون مع مركز البحرين للدراسات والبحوث (مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة حالياً) لتكوين وفود شبابية برعاية سمو ولي العهد (جلالة الملك حالياً)، وكان من ضمن الإعداد اللقاء بعدد كبير من المسؤولين، والحديث الصريح جداً، والتوجيه المباشر من سمو ولي العهد للمسؤولين بألا تخفى على الوفد أية معلومة أثناء اللقاء.

وكان من بين اللقاءات ذلك اللقاء مع التأمينات الاجتماعية، حيث كان يرأسها الراحل الشيخ عيسى بن إبراهيم آل خليفة، الذي تحدث عن واقع التأمينات ومستقبلها، ومن ضمن الحديث أنحا باللائمة على الحكومة في استثناء العاملين الأجانب في البحرين من التأمينات، ما جعل “الحسبة الاكتوارية” التي بنيت عليها الهيئة تختل، إذ ستبقى المزايا كما هي مع تناقص في الدخل، وهكذا سيزداد عدد المتقاعدين مع الوقت، والمصاريف ستزداد مع الوقت، والدخل سيتناقص مع الوقت، ولن يوازي الإنفاق، والنتيجة: العجز الاكتواري، أو بمعنى أوضح: إفلاس الصندوق.

فكان أن علمنا أن التوجيه بالصراحة والمصارحة لهذا الرهط من الشباب، وأن الحديث في جلسة مغلقة، لا صحافة فيها ولا من يسرّب أخبارا أو معلومات، لذلك كان من الصراحة قول ما قال.

بعد سنتين من ذلك الاجتماع كنت قد صرت صحافياً، وعقد وفد – لا أذكر اليوم كنهه – اجتماعاً مع الرئيس الراحل، وأدلى بتصريح مشابه لما قاله في الغرفة المغلقة، وأنه ما لم تبادر الحكومة بعلاج هذا الخلل سيصل الأمر إلى حدّ الإفلاس!

الشاهد في هذه الحادثة أن التصريح الأول تمرّ عليه اليوم فترة ثلاثين عاماً، وهو بالتأكيد لم يكن “اكتشافاً” في ذلك العام، حيث وصفت “التأمينات الاجتماعية” الواقع والمستقبل، المشكلة والحل، وعاد الرئيس الراحل نفسه في عام 2002 ليقول نفس المقولة تقريباً أمام مجلس النواب، مدعومة بالشروحات والأرقام والحقائق بما يمكن أن يواجه الهيئة، أي المؤمَّن عليهم من “مخاطر” إن لم يجر إصلاح أصل الخلل.

هذه المخاطر يواجهها القطاع الأكبر من المواطنين اليوم، العاملين في القطاعين العام والخاص، المدني والعسكري، الذين تطلب منهم الحكومة أن يسهموا في حل المشكلة وإلا ستقع المصيبة على رؤوسهم، كما قال الشوري أحمد الحداد إن “موافقة الشورى على مقترح الحكومة أتى لصالح الأجيال القادمة حتى لا تفلس الصناديق”، اليوم يُطلب من المواطن الذي أفنى عمره في الوظيفة أن يتحمل هو وحده فاتورة فشل إدارة الأزمة وعدم إيجاد بدائل للدخل الذي نقص خلال حوالي أربعة عقود، واليوم تتقاطع الطرقات كلها على جيبه، وسيرفع الجميع أيديهم أن لا دخل لهم ولا شأن فيما حدث، وعفا الله عما سلف، ولنبدأ اللعبة من الأول.

إن الأخطار المحدقة بدخل المواطن وأمانه الاقتصادي صارت على حافة القدرة على الاستيعاب، فكل مؤسسة رسمية تعاني اليوم راحت تبحث عن بند تطفئ به خسائرها، وتغطي عجزها وفشلها في السنوات الماضية، من خلال ابتداع بنود جديدة، أو إحياء بنود قديمة يستحلبون فيها الدوانيق القليلة المتبقية في الجيوب... سيأتي اليوم الذي لن يبقى فيه ما يمكن شفطه... فماذا أنتم فاعلون؟!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية