العدد 3727
الجمعة 28 ديسمبر 2018
banner
قواعد الحلال والحرام “بديل فعال” للمحاسبة البرلمانية
الجمعة 28 ديسمبر 2018

عندما خرج الفيلسوف الفرنسي (مونتيسكيو) بكتابه الشهير روح القوانين وفيه نظريته الشهيرة فصل السلطات والمعمول بها حاليًّا في أكثر دول العالم الديمقراطي، لم يقصد إطلاقا الفصل التّام بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، بل ذكر وكرّر وأكّد ضرورة أن يكون بين الكل، تعاون وتشارك وتفاهم غايته المصلحة الشاملة، خلال ممارسة كل منها لاختصاصاتها..

وبما أنّ مملكة البحرين قد أخذت بالمفاهيم الديمقراطية الحديثة وبمبدأ فصل السلطات فأنّها معنية أيضًا بأن تكون سلطاتها المنفصلة الثلاث متعاونة يسود أعمالها روح التفاهم والمشاركة وتغليب المصلحة العامة على المصالح المحدودة ذات الاختصاصات الخاصة، وجدير بالذكر أن نشير إلى أنّ تلك الأشكال والنظم السياسية الحديثة مهما كان نوعها يجب أن تلتزم بالفضاء الإسلامي والوطني الذي يحتويها ويجعلها صالحة للتطبيق والتنفيذ في مجتمع له خصوصيته وظروفه وأوضاعه التي لا يحيد عنها، فمملكة البحرين دولة إسلامية (مادة 1 - الدستور) وإذا ما علمنا ذلك فإن موضوع الاختصاصات النيابية في حق موضوع تقرير ديوان الرقابة المالية، وبالأخص الإجراءات التي يستطيع فيها مجلس النواب التفاعل والتعامل مع محتويات التقرير يجب أن يكون في حدود أحكام الدستور ومقتضيات القانون.

وحيث تبيّن أنّ هناك خللا وفراغا يحول دون ممارسة مجلس النواب السابق واللاّحق لاختصاصاته وصلاحياته في هذه المسألة، لعدم تمكن المجلس الجديد مباشرة أعماله في مواجهة التنفيذيين الذين انتهت مهامهم بانتهاء مهام المجلس النيابي السابق، والذي لم يتمكن هو أيضًا، من مباشرة اختصاصه بسبب انتهاء مهامه قبل عرض التقرير عليه، الأمر الذي جعل هذا الخلل والفراغ قضية خطيرة تمس سمعة القوانين المعمول بها في هذا المجال، إضافة إلى تهميش جانب مهم من جوانب العمل النيابي.

وحيث إنّ المعالجة القانونية لهذه المسألة الخطيرة تستبعد من نواحي المبادئ القانونية والإجرائية في هذا الصعيد، أن يكون الحل في يد المجلس النيابي الجديد، كما لن يكون الحل طبعًا لدى المجلس النيابي السابق، فليس أمام هذه الوضعية الشائكة إلا أن يتم معالجة المسألة قانونيًّا وعمليًّا مستقبلاً، إذا ما تقرّر البدء فيها من الآن، لكي لا تتكرّر نفس الوضعية أمام المجلس النيابي الجديد في السنة الرابعة من عمره.

أمّا فيما يتعلق بالمسألة الحالية التي نحن بصددها، فنرى أنّ ما أشرنا إليه في مقدمة الطرح والذي يتمثل في ضرورة وجود تعاون وتشارك وتفاهم بين السلطات الثلاث والذي هو أساس نجاح العمل الديمقراطي الراقي الذي يستهدف المصلحة العامة ومصلحة الوطن والمواطنين ومن أجل تدارك تكرار الأخطاء والمخالفات المالية والإدارية، ولمحاسبة المهملين في أداء الخدمات العامة وفي المحافظة على أموال الدولة، وحيث إن المحاسبة لا تقتصر فقط على مجلس النواب، وإن كان هو المسؤول الأول في هذا الشأن، والذي يعتقد الكثير منا أن هذا الأخير هو المعني بها فقط بمفرده، فإن تحريك موضوع المساءلة والتفاعل المحاسبي مع التقرير، يمكن أن يتم عن طريق غير مجلس النواب، ويكون عن طريق السلطتين التنفيذية والقضائية، وعليه فإن المسألة الحالية الخطيرة التي تحتوي ما تمّ الكشف عنه من خلال تقرير ديوان الرقابة المالية يمكن أن يتم عبر السلطتين الأخريين انطلاقًا من الروابط التعاونية والتفاهم والود الذي يسبغ علاقة جميع السلطات بعضها ببعض، ويكون المخالفون والمهملون تحت طائلة القانون، ومُجَرّمِين حسب قواعد الحلال والحرام الإسلامية، ومحاسبين لخرقهم ضرورة الالتزام بصفات الأمانة والإخلاص والنزاهة الواجب توافرها في أي موظف وعامل والتي تتشدّد في تطبيقها حكومتنا الرشيدة وقيادتنا الحكيمة خلال تسييرها للخدمات العامة.

وبذلك تُعالج هذه المسألة الخطيرة، وتُطوى صفحتها بكل عدالة وإنصاف ورضا عام، والبدء حالاً في وضع تصور علاجي قانوني وعملي لنفس المسألة، لتكون تحت طائلة اختصاص المجلس النيابي الجديد الحالي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .