العدد 3762
الجمعة 01 فبراير 2019
banner
الوقاحة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الإيرانية
الجمعة 01 فبراير 2019

رغم أنها لم تكن الزيارة الأولى، إلا أن توقيت زيارة قائد ما يسمى بالحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، لجزيرة “أبو موسى” التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة والمحتلة من قبل إيران تحمل رسالة غطرسة وتحدٍّ للدول العربية، خاصة أنها تزامنت مع اللقاء التشاوري لعدد من وزراء خارجية الدول العربية بالمملكة الأردنية الهاشمية حول أوضاع وتطورات المنطقة، كما صاحبها تصريحات خطيرة، واصفًا فيها الجزيرة الإماراتية بأنها قلب إيران النابض، ونعت دول الجوار بـ”الأعداء”، محذّرًا إياهم بأن هذه الجزر جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية، وأن المقاتلين الإيرانيين سيدافعون عن كل شبر من هذه الجزر.

هي إذن وكأنها زيارة “إعلان حرب” واستعراض للقوة وفرض العضلات، سبقها تصريحات عدائية من قبل المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ضد البحرين مثلت تدخلاً سافرًا في شؤون القضاء المستقل النزيه في المملكة، ودفاعًا معهودًا عن أدوات المشروع الإيراني في المنطقة، واتهامات تثير الضحك من مسؤول دولة باتت النموذج الأسوأ في قمع الحقوق وهدر الحريات، والمثال الأقبح في ارتكاب أفظع الممارسات والانتهاكات بحق مواطنيها.

بمثل هذه الأفعال والأقوال تضيّق إيران خيارات التعامل معها وتجعل من احتمالات الحوار وعودة العلاقات الطبيعية صعبة الحدوث وبعيدة المنال، لإصرار طهران على مواصلة سياساتها الخطيرة على أمن المنطقة وشعوبها بعدم احترامها لسيادة الدول العربية وتدخلها في شؤونها الداخلية، وحرصها على إثارة الفتن الطائفية ودعم الجماعات الإرهابية التابعة لها في كل مكان لتجعل المنطقة ساحة دائمة للقلاقل والاضطرابات لتتمكّن هي من تحقيق أطماعها السياسية والطائفية ومد نفوذها.

ورغم أنه لن يقال الكثير عما دار في اللقاء الوزاري التشاوري بالأردن إلا أن المؤكد أن التعامل مع إيران هو أحد البنود والمحاور المهمة التي كانت دافعًا وهدفًا لهذا اللقاء بعد أن اتضح أن خيارات عودة إيران والتزامها بحسن الجوار باتت “شبه” مغلقة، وأن هناك حاجة ماسة وملحة للتوصل لرؤية عربية متكاملة وفاعلة لتحسين حال الأمة وإنقاذ المنطقة من جرثومة تنتشر وتنشر معها الوباء أينما تواجدت بحرسها الثوري ونهجها الطائفي ووكلائها من الجماعات والتنظيمات الإرهابية، لدرجة جعلتها العنصر الأخطر والعامل الأعقد في كل ما تعانيه دول المنطقة من أوجاع وأزمات.

مخطئٌ من يظن أن وضع تلك الاستراتيجية للتعامل مع إيران أمر سهل، بل هو بالغ التعقيد وشديد الدقة، ولكن تبقى “المصلحة العربية” و”العربية فقط” هي المكون الأساس والحاسم فيها، فقد نختلف على المسميات والأطر والأشكال إلا أننا جميعًا نتفق على أن الهدف هو حماية دولنا وشعوبنا وأن الوصول لهذا الهدف وتحقيقه لن يكون إلا من خلال الدول العربية نفسها واستغلال طاقاتها ومواردها وتقوية العمل الجماعي فيما بينها، وأيضًا باستثمار علاقاتها الاستراتيجية بالدول الكبرى المؤثرة في موازين القوى الدولية لنصل لأفضل ضمانات الأمن والسلام.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .