العدد 3764
الأحد 03 فبراير 2019
banner
“داعش”‭... ‬بضاعتهم‭ ‬رُدت‭ ‬إليهم‭!‬
الأحد 03 فبراير 2019

تكونت نواة تنظيم “الدولة الإسلامية”، والمعروف اختصارًا بـ “داعش” في العراق بالعام 2004. وابتداءً من العام 2014 انتشر بشكل ملحوظ ثم تمدد سريعًا إلى عمق الأراضي السورية، وأصبح التنظيم يسيطر على ما يقارب 200 ألف كيلومتر مربع من الأراضي في العراق وسوريا.

وقدرت الاستخبارات الغربية عدد مقاتلي التنظيم الموزعين بين العراق وسوريا في العام نفسه 2014، بأنها كانت تتراوح ما بين 30 و45 ألف مقاتل.

وبفضل جهود التحالف الدولي، وبعد تدخل الإيرانيين في الساحة العراقية وتدخل الروس في الساحة السورية تم هزيمة “داعش” والقضاء عليه بنهاية العام 2017، وبذلك انهار مشروع “الدولة الإسلامية”.

وذكر تقرير أعدته لجنة مجلس الأمن في الأمم المتحدة، في أبريل 2015، أن نحو 20 ألف مقاتل أجنبي كانوا قد انضموا إلى “داعش” وذهبوا إلى سوريا والعراق من مختلف دول العالم، ومن ضمنها دول أوروبا الغربية التي قدم منها أكثر من 5 آلاف مقاتل، وكان من بينهم أيضًا 8500 مقاتل على الأقل قدموا من الجمهوريات السوفيتية السابقة.

إلا أننا لا ندري حتى الآن وبالتفصيل ما الذي حصل لهذه الآلاف المؤلفة من العرب والأجانب من المقاتلين المدربين “الدواعش” الإرهابيين بعد القضاء على “داعش”! وكم عدد من قُتل منهم؟ وكيف وأين قُتلوا؟ وكم عدد من أُسر منهم؟ وأين أسروا؟ وكم عدد من هرب منهم؟ وغيرها من الأسئلة والتساؤلات المحيرة التي تفرض على الأجهزة الأمنية المعنية والمختصة في منطقتنا أخذ الحيطة والحذر والوقوف على أهبة الاستعداد؛ لمواجهة أي طارئ وأي احتمال.

ولا شك أن هذه الأجهزة على إدراك تام بحجم التحديات وبهذه الحقائق، وأنها قد وضعت بالفعل في الاعتبار وأخذت في الحسبان جملة من الاحتمالات والافتراضات والسيناريوهات المتعلقة بهذا الشأن منها، إن عدد ومصير من بقي حيًا من المقاتلين العرب غير معروف، ونحن نتكلم هنا عن الإرهابيين العرب فقط، وأن هناك احتمالين، الأول هو أنهم أدركوا ضعف وفساد المسار الإرهابي واستسلموا طوعا إلى حتمية التخلي عنه والعودة إلى حاضناتهم ومجتمعاتهم الأسرية والقبلية والاجتماعية التي ستوفر لهم الحماية وتساعدهم على الذوبان والاندماج في مسار الحياة الطبيعية.

والاحتمال الثاني، وهو الأقوى والأرجح، وهو أن هؤلاء المقاتلين الإرهابيون العرب وجدوا مشقة وصعوبة في التخلي عن عقيدة وثقافة العنف والإرهاب، ولم يتمكنوا من العودة والاندماج في مجتمعاتهم، بل إنهم تحولوا إلى خلايا نائمة قابلة للاستيقاظ والانطلاق والانقضاض، وتنتظر أي فرصة أو غفلة من الأجهزة الأمنية، على أساس أن هزيمة “داعش” العسكرية والقضاء على رؤوسه القيادية أو تشتيتها لا يعني القضاء على فكر وأيديولوجية التطرف والعنف والإرهاب التي ربما بقيت عالقة ومستقرة في وجدانهم وقابلة للاستنفار والاشتعال ما دام هناك بيئات ملائمة وظروف مهيأة تغذي من نزعة العنف المسلح ضد الدولة والمجتمع.

أما بالنسبة إلى المقاتلين الأجانب وبالأخص الذين قدموا من دول أوروبا الغربية والجمهوريات السوفيتية السابقة، فإن بقاءهم في الدول العربية واندماجهم في مجتمعاتها كان في غاية الصعوبة والتعقيد، بل كان أقرب إلى الاستحالة، ولم يبق لهم أي خيار سوى الفرار والعودة إلى بلدانهم الأصلية، فأصبحوا يشكلون التهديد الأبرز لأوطانهم والتحدي الأخطر لأمن أوروبا بشكل خاص وللأمن العالمي عمومًا. مع أن إمكان عودة هؤلاء إلى أي من الدول العربية مستقبلًا سيظل احتمالًا واردًا وليس مستبعدًا، ولا يجب التغافل عنه.

إلا أن المراقبين والمحللين المختصين يرون أن هؤلاء الإرهابيين، الذين أصبحوا إرهابيين دوليين متمرسين بعد تجاربهم في العراق وسوريا، سيتوجهون في الغالب للبحث عن آفاق وميادين أخرى ملائمة للعمل والتحرك، وأن الوجهة الأفضل والأسهل بالنسبة لهم ستكون أوروبا.

فبعد أن تم القضاء على الهياكل التنظيمية والقيادية لـ “داعش” في منطقتنا فإن أنماطًا مختلفة لقيادة وتوجيه العنف والإرهاب ستشهدها أوروبا، وأساليب متطورة للعنف، وجيلا جديدا من المتمردين ومن القتلة والإرهابيين سيولدون فيها، وسيتم تشكيل خلايا فاعلة أو مفارز صغيرة ضاربة إلى جانب اتباع تكتيك “الذئاب المنفردة” البعيدة عن الهياكل التنظيمية.

وكما ذكرنا فقد كان العدد الكلي للإرهابيين في صفوف “داعش” يتراوح بين 30 و45 ألف مقاتل حسب تقديرات الاستخبارات الغربية، منهم 20 ألفا أجانب، حسب تقديرات الأمم المتحدة، قدم غالبيتهم العظمى من أوروبا الغربية والجمهوريات السوفيتية السابقة، أي أن نسبة الأجانب في القوة الإرهابية في الشرق الأوسط كانت تتراوح بين أكثر من 66 % أو حوالي 45 % على أقل تقدير، ولذلك فإننا نستطيع أن نستنتج بكل سهولة وبساطة أن الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط لم يكن صناعة عربية محلية خالصة، بل ساهم في تكوينها وتشييدها، وبشكل كبير وفعال، عشرات الآلاف من الإرهابيين الأجانب جاء غالبيتهم، كما قلنا، من أوروبا والجمهوريات السوفيتية السابقة، وأن التطورات الراهنة توحي بأن منطقة الشرق الأوسط لن تكون المتهمة بتفريخ واحتضان الإرهابيين مستقبلًا أو أنها مصدر التهديد الإرهابي في العالم، وسينتقل ثقل الحراك الإرهابي ومراكزه ومفاصله إلى أوروبا وإلى الجمهوريات السوفيتية سابقًا، وبذلك تكون بضاعتهم قد ردت إليهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .