العدد 3806
الأحد 17 مارس 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
المجد والاكتئاب (1)
الأحد 17 مارس 2019

كما التصقت بهم إبداعاتهم التهمهم الألم. عرفوا بنظرياتهم التي تخفي خلفها الأوجاع، فأفلاطون “ونظرية المُثُل”، وديكارت “والعقل”، وجون لوك “والأفكار”، وجون سيتورات ميل “والحرية”، وفوكو و((السلطة )) كما عرفوا بها عرفوا بالحزن والتعاسة والاكتئاب أيضا.

يقول الكاتب المعروف صاحب رواية العجوز والبحر، كل ما عليك فعله هو أن تجلس إلى الآلة الكاتبة، وتبدأ في النزيف. آرنست همنجواي.
سؤال يتقد على نار العقل: لماذا العظماء دائما مكتئبون، وغير سعداء، وإن امتلكوا المجد؟ جان جنيه الكاتب الفرنسي مات ناقما على المجتمع الفرنسي حزينا ومكتئبا. سارتر صاحب النظرية الوجودية مات كارها للزواج وحزينا.
الكاتب الفرنسي مارسيل بروست صاحب المجلدات السبع ((البحث عن الزمن المفقود)) الذي كان يعاني الربو، مات منعزلا متأثرا لوفاة أمه. نيوتن الذي صاغ قوانين الحركة وقانون الجذب العام كان يلقي محاضراته في قاعة خاوية وحيدا، وعندما وصل سن الخمسين كان يعاني بارانويا واكتئابا. الأسكندر المقدوني مات مصابا باختلال عقلي في نهاية حياته بسبب الحب، وفيكتور هوجو صاحب رواية البؤساء، وأحدب نوتردام مات والحزن يفتك روحه.
الشاعر الفرنسي آرثر رامبو صاحب القصائد الفرنسية العظيمة كان يعيش الاضطراب النفسي حزينا. مشيل فوكو ودريدا واندريه جيد لم يعرفوا لون السعادة. بيتهوفن مات منكسر القلب؛ لأن من أحبهن من النساء رفضن الزواج منه لأنه ليس من طبقة النبلاء في النمسا، وهو الغريب القادم من ألمانيا، فقد كان يعاني إضرابات نفسية حادة قادته لتعاطي الخمر والمخدرات.
آينشتاين الذي طور النظرية النسبية حزين يعاني التوحد، تشايكوفيسكي الذي ينظر إليه الكبار ورؤوسهم مطأطأة أمام عبقريته الموسيقية، هذا الموسيقار الروسي الذي ملأت موسيقاه العالم جمالا لم يكن مستقرا عاطفيا، وقد كرمه القيصر، ومنحه معاشا مدى الحياة إلا أنه مات منتحرا.
ديستوفيسكي الروائي الروسي صاحب أجمل الروايات ذات العمق السيكولوجي للنفس البشرية من قبيل رواية الجريمة والعقاب ورائعة ((الأبله)) كان مكسور القلب مات بسبب الصرع، وهو القائل: ‏لم أرَ نظرات الحُب الحقيقية إلا على عتبات المقابر، والمستشفيات، نحن أُناسٌ لا نتذكر من نحبهم إلا في النهاية. وقال في رواية الإنسان الصرصار (أجلسُ الآن وحيدا، أُمشِّطُ شعرَ الخيبة وأُغنِّي لها)).
تيلستوي صاحب رائعة الحرب والسلام كره الطبقة الأرستقراطية، وهو كان منها، وانعزل في كوخ حزينا. السؤال: لماذا يصاب عظماء المجد والفلسفة والأدب والفن الإنساني والكبار بأمراض مثل مرض الهوس الاكتئابي (يُسمى أيضًا بالاضطراب ثنائي القطب) أو الاكتئاب الشديد، فما الذي ينقصهم، خصوصا أن بعضهم إضافة إلى مجد المعرفة وفرة المال والغنى؟ من يصدق أن وينستون تشرشل -رئيس وزراء بريطانيا الأسبق- كان مصابا بالاكتئاب الذي تسلق على كل حياته حتى وصف الاكتئاب بـ ((الكلب الأسود)) الذي كان ينهش سعادته. إنه لمحزن أن تعرف أن أكثر من صنعوا التاريخ كان منهم الذهانيون والفصاميون والعصابيون والوسواسيون، يرون الحياة جحيما وقطعا سوداء.
سأتطرق للأسباب في معالجة سيكولوجية لاحقا وأنا أنبش في سيرتهم بحثا عن السر والصندوق الأسود، وإن كنت على يقين، أن لا المال، ولا المجد، ولا المنصب، ولا الشهرة يجلبون السعادة، فهي عوامل مساعدة، وليست الأساس، فلوعرفنا نهاية الواقع النفسي لنابليون بونابرت والملك فيليب ملك فرنسا، ورتشارت قلب الأسد ملك بريطانيا الذي قاد الحروب الصليبية لعرفنا كي تعيش سعيدا تحتاج عاملين: الرافد الإنساني، والرافد الإيماني مع الوسطية، والاعتدال في حب وبغض الحياة، والبساطة، وتطبيق نظرية تخفيض أهمية الأشياء كما هو مصطلح المفكر الروسي، فاديم زيلاند ومفادها: لا تعلق قلبك بشيء في الحياة بجنون وهوس.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية