العدد 3828
الإثنين 08 أبريل 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
المجد والاكتئاب (5)
الإثنين 08 أبريل 2019

ما الذي يجعل الروائي الإنكليزي، تشارلز ديكنز، صاحب رائعة أوليفر تويست يعاني من مرض الوسواس القهري، حيث كان يعيد ترتيب أثاثه دومًا؟ هل المجد يفقد الإنسان توازنه؟ هل سبب التعاسة مال أم شهرة أم حب أم جينات، وهل لها علاقة بطبيعة البنية الفكرية للمبدع في مفهومه للحياة والسعادة والوجود ومدى فهمه للعلاقة مع الله والماورائيات؟ وكيف لكبار يستسلمون لاكتئاب، وبينهم أنهار نعم الله تجري؟!! فماذا يريد المبدع بعد المجد؟ هل الخلود، وهم الخالدة أسماؤهم؟ فالعظماء مصابيح متدلية على بوابة الحضارة!! أطرب الحياة مايكل جاكسون لكن قلبه يقطر دمًا، وكم أضحكنا الممثل روبين وليامز ويعلم الله ما في قلبه من حزن!! إذن ما هو السر الخفي في ذلك؟ هو لغز النفس المطلسم؟ وهل غاب عن فرويد معرفته؟ هذا ما سوف أجيب عليه لاحقًا وأتركها لسيرة النار. وذات الوجع يتكرّر لفنان لوحة “الصرخة” للنرويجي ادفارد مونك، والتي تحمل شحنة الدراما والخوف الوجودي بعد الحرب العالمية الثانية يشرح فيها الفنان ألمه قائلاً “ووقفت هناك أرتجف من شدة الخوف الذي لا أدري سببه أو مصدره. وفجأة سمعت صوت صرخة عظيمة تردد صداها طويلاً عبر الطبيعة المجاورة”. فما هو سبب هذا الخوف وفوبيا الوجود؟ وذات الوجع المتشظي زجاج روح، وبخار نفس تتلظى احتراقًا ودخانًا من خلال لوحة عازف الغيتار العجوز للفنان الاسباني بابلو بيكاسو أو لوحة “العشيقان” للفنان البلجيكي رينيه ماغريت ووجهها مغطى حيث ارتسمت لوحاته بالغطاء كعقدة بسبب رؤية صورة أمه المنتحرة في النهر مغطى وجهها، عقدة تحولت إلى ذكرى متورمة، ووجع ماض تحوّل إلى ريشة ترسم نيابة عن الفنان بأصابع مستعارة، وبتخاذل وصفقة مع العقل الباطن للفنان؟ هؤلاء العمالقة لم يطلبوا بستان ورد عن كل جرح أصابهم، بل رحمة وجود أو لمسة يد حانية أو قلب رحيم يفكّك الحزن، ويعيد تركيبه إلى فرح!! وحده العظيم من يشعر بوقع الاحتراق عندما يستحيل المجد رمادًا في الفم أو ترابًا على مخدة سرير، عندما يرتهن القلب على مسلخ جزار، اسمه القدر، ويطالب هذا العظيم بالامتنان، وهو لا يقدر أن يخادع نفسه مهما كثرت الأضواء، وهو يساءل ذاته: أنت وحدك تعرف ما هو الشعور بأن يتم إخبارك كم أنت شديد الحظ لكي تكون سجينًا لشخص أو لمنصب أو لمجد يبتلع سعادتك كما هو ابراهام نيكولن أو شهرة تذبح خصوصيتك كما هي مارلين مونرو أو مال لا يسعدك كما هو حال كريستين أوناسيس أو حب احتظنته زهرة فكان أفعى كحبيبة كرستيانو السابقة، هو الحب يخنق الكبار، ولو كانوا بعلو جبال الآلب، وعيونهم زرقاء لكثرة ما نظروا للسماء، هو الحب دمر ببيتهوفن، وفان جوخ، ونيتشه، ودالي، وتشايكوفسكي، ورامبو، ودافينشي، والقائمة تطول. لقد قادهم إلى الاكتئاب، والجنون، فكلما كثر من تحبهم كلما ازددت ضعفًا. وإذا كان الفرح لا يؤجّل، فلماذا هربوا منه “وإذا جاءك الفرح، مرة أخرى، فلا تذكر خيانته السابقة. ادخل الفرح وانفجر” محمود درويش الذي استقال عن الحياة واعتزل في شقة معزولة في باريس. إنه المجد يبقيك وحيدًا إن لم تكتشف طعم “كوكتيل الحياة” المتنوع من ثقافة عقل، وإنسانية ضمير، ووسطية اقتصاد، ورياضة تشذب حديقة جسدك، وأدب روح، وترحال سفر كابن بطوطه، وبحث تكتشف فيه جمال الوجود، وقلب أخ صادق، وحب بلا شروط، وطعام تتذوق مذاقه. يا ابن ادم، ادخل في الفرح وانفجر.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .