العدد 3832
الجمعة 12 أبريل 2019
banner
العراقيون والسعودية... أوهام الماضي وتطلعات المستقبل
الجمعة 12 أبريل 2019

شريحة كبيرة من العراقيين معبأة حتى النخاع كرها للسعودية، تبدأ بالإشارة للتيار الديني المتطرف وفتاواه ضد الشيعة، ثم تتدرج بالقول إن تلك الفتاوى غذت داعش في العراق، ثم القول إن السعودية أوجدت داعش ودعمته بآلاف المقاتلين، والبعض يقول إن الحكومة العراقية لديها الأدلة الدامغة على تورط الحكومة السعودية لكنهم جبناء وفاسدون... إلخ. ولست هنا بصدد مناقشة تلك الأمور فلا أراها حقيقية، لكن باختصار بالنسبة للتيار الديني المتطرف وفتاواه فقد أضر بالعالم العربي والسعودية وهو يتلاشى حالياً بإرادتين سياسية وشعبية، وأغلبها فتاوى قديمة وليست موجهة تحديداً للعراق الحديث، وليس دقيقاً اقتصار داعش على فتاوى سعودية بل على فتاوى سبقت وجود الدولة السعودية بمئات السنين وخصوصا ما يتعلق باستباحة اليزيديين والشيعة وأي مخالف، كما توجد فتاوى لأساطين فقهاء “الاثنا عشرية” بتكفير المخالف أيضاً. أقول إنها أوهام وليست أسبابا حقيقية لأن الخطاب التعبوي لهؤلاء لا يركز على قضية من أين دخل مقاتلو داعش وأسلحتهم وسياراتهم وتصدير نفطهم ومنتجاتهم، ولا يركز على جنسيات داعش الأخرى كالعراقيين أنفسهم! أو التونسيين مثلاً الذين هم ضعف عدد السعوديين في التنظيم، فهل هؤلاء قدموا أيضاً بفتاوى تونسية ضد الشيعة!؟ وهل سمعتم عراقيا يهاجم تونس والتونسيين!؟ وأما أدلة الحكومة فالتصريح الشهير حول الأدلة الدامغة على تدريب وتهريب الإرهابيين للعراق كان موجها لجار آخر للعراق وصادر من نوري المالكي أحد أشد المناوئين الحكوميين للسعودية حتى اللحظة. ولو وجد دليل حقيقي لما وفرته الحكومات العراقية المتعاقبة، ولا القنوات الفضائية العراقية التي تهاجم المملكة ليلا ونهارا، ولا قنوات طهران والضاحية الجنوبية، ولا الجزيرة وأخواتها.

تلك الشريحة الشعبية العراقية، هي بنظري ضحية لتعبئة مصاحبة لمشروع تحاول السعودية إفشاله منذ بزوغه، ومازالت، لأنه يهدد كيانها السياسي بأدوات آيديولوجية مذهبية التفت حولها، قال القائد العسكري العراقي أبومهدي المهندس في نشوة انتصاره ووصوله للحدود السورية آنذاك، إننا مستمرون حتى الرياض وجدة ومعنا “أنصار الله” ووجّه التحية ومن معه من المقاتلين إلى “أنصار الله” وسط ضحكات الانتشاء. كما قال قائد عراقي آخر وهو يوسف الناصري وأمام نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني ووسط نشوة عارمة أيضاً: “سنستمر إلى عقر دارهم وسنحرر أرض الجزيرة العربية والحجاز”، وغيرها عشرات التصريحات الواضحة والوقحة، من عراقيين ولبنانيين ويمنيين وغيرهم من أتباع نفس المشروع، إضافة للإيرانيين وآخرها تصريح “ولي أمر المسلمين السيد القائد”! خامنئي، حول النوايا السعودية في تقاربها مع العراق. طبعا كلمة السعودية تستخدم للتصريحات الخارجية فقط وإلا في داخل إيران وحوزاتها يسمونها الحجاز أو عربستان لأنهم وأتباعهم في داخلهم لا يعترفون بها كدولة رسمية ذات سيادة.

حاوَلت السعودية اتقاء شر الفوضى العراقية بعد 2003 بشتى الوسائل حتى أنها بنت جدارا عازلا بطول 900 كلم، لكنها تعلم أن الطريقة الأفضل والأنجع وإن كانت الأصعب هي دعم استقرار العراق وازدهاره، وليست المسألة عاطفية هنا وإن كان الأمر لا يخلو، المسألة مصلحة أمنية واستراتيجية بالدرجة الأولى، وكذلك فرص اقتصادية في بلد غني ومعدم، ودخول السعودية العراق ليس لمنافسة إيران، فلا مقارنة بين الدورين. الدور الإيراني عسكري وسياسي يتدخل حتى في الانتخابات العراقية، ولا يدفع “تومان” واحدا للعراق، حتى الرصاصة يأخذ ثمنها، وسينكمش لحجمه الطبيعي إذا نهض العراق.

أما الدور السعودي فهو اقتصادي صناعي اجتماعي ومستعد لبذل الكثير، وعلى العراقيين الواعين أن يعلموا أن عدم تصادم الدورين هو لصالح العراق أولاً، وأن تطلعات المستقبل مع السعودية أصدق من أوهام الماضي.

 

“إن فتاوى التيار الديني المتطرف أضرت بالعالم العربي، وهي تتلاشى حالياً بإرادة سعودية سياسية وشعبية”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .