عند بدء كتابة هذه الكلمات كان مئات الآلاف من السودانيين يحتشدون في الخرطوم أمام وزارة الدفاع مطالبين بنقل السلطة إلى هيئة مدنية بعد أن تحقق لهم ما أرادوه في إسقاط نظام البشير أو إسقاط حكم الكيزان، وكما أثبتت التجربة في الدول العربية التي سبقت السودان في إسقاط أنظمتها فإن عملية إسقاط النظام هي العملية الأسهل والأسرع، خصوصا عندما يكون الجميع متفقين على ذلك، لكن الصعوبة تكون في عملية إعادة البناء بعد ذلك، وكما قال أحد المشايخ فآفة الثوار أن يظلوا ثائرين، ومعنى ذلك أن بقاء الثوار على ثورتهم طوال الوقت يمكن أن يأتي بآثار سلبية لأن ذلك يصعب الأمور على الذين يقومون بإدارة المرحلة الانتقالية ويضعهم تحت ضغط مستمر فتتولد أخطاء وقرارات متعجلة بفعل حالة الضغط الموجودة.
ليس معنى كلامي أن يتخلى السودانيون عن مطالبهم في تشكيل حكومة مدنية لبلادهم، فهذا حقهم، ولكل شعب الحرية في تقرير مصير بلاده، لكن ما نريده هو عدم تعجل الأمور حتى لا تنتج عن هذا التعجل وهذا الضغط نتائج سلبية تكلف السودان اقتصاديا وتضع أية حكومة قادمة في مأزق وتجعل منصب الرئاسة في السودان منصبا مخيفا، لأن صاحبه سيكون حتما ضحية لأوضاع اقتصادية لن يستطيع أن يفعل شيئا تجاهها وأحلاما رومنسية يعتقد أصحابها أنها ستتحقق بمجرد سقوط النظام. النظام يسقط بسرعة لأن كل الأطراف تجتمع على إسقاطه وترى في ذلك مصلحة لها، لكن إقامة نظام جديد لا تنال اتفاق الجميع عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل والمصالح.
بعد سقوط أي النظام تظهر الفصائل والجماعات وتظهر المطالب الفئوية والمصالح الجهوية ويظهر أصحاب المصالح إقليميا وعالميا والكل يحاول تحقيق انتصار على غيره فيدخل المال الأجنبي وقد يدخل السلاح في مرحلة لاحقة، الصعوبة إذا تكمن في صعوبة الاتفاق على صياغة المرحلة التي تتلو سقوط النظام، فإن استطاع السودانيون أن يصموا آذانهم عن سماع الدعوات والنداءات التي يراد بها باطل والتي تريد نشر الفوضى في السودان كما في غيرها، فسوف يضرب السودانيون مثلا رائعا وستتحقق أحلام الكبار والصغار.
المجلس العسكري ليس عدوا، فهو مجلس مكون من سودانيين ويعنيه أن يمر السودان بسلام من هذه المرحلة، ويجب على السودانيين أن يعملوا معه، فالمجلس العسكري، حتى إن كان رجاله معينين بقرار من البشير، إلا أنهم يملكون من الآليات والقوة ما يجعلهم قادرين على حماية الدولة السودانية والشعب من الفوضى وانهيار الأمن والسلام في ربوع البلاد. كل التمنيات الطيبة للشعب السوداني الشقيق.