العدد 3877
الإثنين 27 مايو 2019
banner
حارثة القمر
الإثنين 27 مايو 2019

لن أكون أول الكاتبين، ولا آخرهم طبعا، في مسألة فوز الروائية العمانية جوخة الحارثي، بجائزة مان بوكر العالمية، حيث ارتفع فجأة اللغط حول الرواية والروائية كما لم يرتفع من قبل، كما ارتفعت أسهم الرواية ومبيعاتها فجأة أيضاً، وصارت مدار الحديث لدى عشاق الرواية الكثر على امتداد الوطن العربي، إذ صار فعل القراءة – لدى شريحة لا بأس بها ممن أعرف – تعني الرواية حصراً. فمن سوء حظي عندما كنت شغوفاً بالرواية في الثمانينات الفارطة، كنت أزور المكتبة وأرى الرفوف نفسها لا تتجدد، أما اليوم فلا يكاد المرء يحفظ الجديد من الروائيين والروايات التي تنهال على الرفوف شهرياً.

في قراءاتي للنظريات العالمية في مواضيع مختلفة (ولست أزعم تمام العلم نشأتها) أجد النظرية عبارة عن فكرة شبه مكتملة، يطلقها – في الغالب – أستاذ جامعي، أو مؤلف معروف، ويدور حولها نقاش، بين أقصى التأييد وأقصى المعارضة والتفنيد، وما بين الفريقين من المناقشين، حتى يشتد عود الفكرة ويصلب، فتنتصب نظرية متكاملة احتضنتها الآراء ولم تنفس عليها أو تحسدها أو تستصغرها. وبطبيعة الحال، فدائماً يوجد هناك المرضى والحسّاد والمتشائمون والذين يريدون أن يجرّوا الآخرين معهم إلى نفس مستنقعات الفشل التي لم يستطيعوا الخروج منها، فلا يطيقون رؤية ناجح أو صاعد، فيحاولون التقليل من شأنه، أو القدح في ما جاء به الناجح لإظهاره بأنه أمرٌ لا يستحق كل هذا الضجيج، وفي الغالب ينضم إلى هذا الفريق الخاسرون في السباق ذاته.

لكن ما صادف ابنة الحارثي بعد فوزها كان شيئاً عجباً، فإلى جانب المهنئين بصفاء من دون روائح أخرى تشوب تهانيهم، يستغرب المتابع من كمّ المحاولات لطرق هذا النجاح المشرِّف عربياً بكل أدوات الهدم ومعاوله، وهذا ما أقترحه منطلقاً إلى دراسة علمية نفسية عميقة لهذا الاستقبال الأشوه الذي استدعى معه كل المصفوفات المعتادة كثنائيات المركز العربي وأطرافه، والغيرة النسوية في جوانب منها، والتعالي من بعض اللامعين الذين حاولوا الفوز ولو بجائزة على مستوى أحيائهم ولم يفلحوا.

على الرغم من ندرة بروزنا عالمياً، علمياً وفنياً ورياضياً وأدبياً وتشكيلياً وسينمائياً وروائياً، إلا أن الأمراض  النفسية تأبى إلا أن تطلّ برؤوسها مع كل فوز أو تكريم يصادف واحداً من أبناء جلدتنا، فبأسنا بيننا شديد!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .