العدد 3904
الأحد 23 يونيو 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
التحايل على الجوع العاطفي بالماركات
الأحد 23 يونيو 2019

يقول قيس بن الملوح في ليلى (وَإِنّي لَأَهوى النَومَ في غَيرِ حينِهِ ... لَعَلَّ لِقاءً في المَنامِ يَكونُ). والفيلسوف الفرنسي، بليز باسكال يختصر العشق بكلمات: (للقلب أسبابه التي لا يدري بها المنطق). إن التعلق بالأشياء إلى حد الهوس ضرب من الجنون، وهو علاقة أبدية بالجحيم، ولو كان الإطار على شكل فردوس. المهووس بالسوشل ميديا أو الفاشينيستا أو بكرة قدم أو المنصب أو المال هو يعاني اضطرابًا سيكولوجيًا؛ لأن التعلق بالأشياء يعني أن هناك فراغا داخليا كبيرا، وخللا في نفسية هذا المتعلق، يسعى للتحايل على وجعه وجفافه وتورمه الداخلي بالتشبث بأمور غير دائمة، وهي مثل (البنج) الذي سينتهي مفعوله في لحظة من اللحظات. أكثر النساء المهووسات بالتسوق والمولات هن يعانين عن جفاف عاطفي في علاقة زواج أو حب، فيعوضن عن كل كلمة رومانسية بقطعة ثياب. إن تعليق الماركات على العاطفة المتقرحة لا يعني شفاءها. الكثير من المتعلقات بالسوشل ميديا، وإن اشتهرن، فإنهن يعانين من وحدة قاتلة يعوضنها بكثرة المتابعين أو بتصوير الطعام لإيهام الذات الكئيبة، والوحدة المخفية خلف الملابس الأنيقة بإرسال مسج عكسي للناس: (أنا بخير)، (أنا لست وحيدة). هل تعلمون أن اللجوء إلى الله هو العلاج الحقيقي لكل مشاكل الإدمان، والتعلق بالأشياء. أول خطوة لعلاج برنامج العلاج العالمي ذي الاثنتي عشرة خطوة للتوقف عن إدمان المخدرات أو الخمر هو الارتباط بالله، والتي تقول: (1-توصلنا إلى الإيمان بأن قوة أعظم من أنفسنا باستطاعتها أن تعيدنا إلى الصواب)، برنامج زمالة المدمنين المجهولين نشأ عام 1935 في الولايات المتحدة الأميركية بين رجل أعمال وطبيب جراح؛ لأنهما كانا مدمني خمر. يقول الفيلسوف الفرنسي لوك فيري في كناب مفارقات السعادة:  (إن كل ما من شأنه أن يجعلنا أكثر سعادة بإمكانه أن يجعلنا أكثر تعاسة). لعل تعاستك تأتي مما تظنه سعادتك، كما يقول الفلاسفة: قد ما تجده الحل هو المشكلة. إن فك الارتباط والتعلق بالأشياء يجعلها أسيرة بين يديك، بل تأتي لك على استحياء لتكون طفلها المدلل. وهذا مفهوم دعت له البوذية والمتصوفون وكل الأديان. يقول الإمام علي “ع” عن الدنيا (لا تُنال منها نعمة إلا بفراق أخرى). كلما خففت من أهمية شيء جاء إليك حتى في الحب، المرأة العنيدة محبوبة أكثر من الساذجة. يقول نزار قباني (دعوت امرأتين على العشاء إحداهما جاءت والأخرى لم تأت. لم أسأل عن المرأة التي أتت، وإنما سألت عن التي لم تأت. إني أحب المرأة العنيدة، وأكره المرأة الغبية. ويقول في قصيدته (يجوز أن تكوني

واحدةً من أجمل النساء..

دافئةً..

كالفحم في مواقد الشتاء..

وحشيةً..

كقطةٍ تموء في العراء..

يجوز أن تكوني

سمراء.. إفريقية العيون.

عنيدةً..

كالفرس الحرون..

عنيفةً..

كالنار، كالزلزال، كالجنون).

إن منهجية الإمام علي “ع” في نهج البلاغة قائمة على كسر عبودية الأشياء، وعلاج الرق السيكولوجي، وتسفيه الأسر بأي شيء، فان نهج البلاغة متوازن يدعو إلى ثقافة الحياة، ويذم الفقر، ويركز على الحب، لكن بشرط عدم التعلق الجنوني؛ لأن الأمام علي “ع” يعلم أن التعلق يقود إلى عبودية نفسية تنتهي بأمراض سيكولوجية من نرجسية أو بارانويا او سايكوباث أو سادية... إلخ. في هذه الرواية نلحظ  فلسفة الإمام في تخفيض أهمية وبريق الأشياء في عين الشخصية المتوازنة (رأى جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - وقد تنفس الصعداء، فقال (ع): يا جابر علامَ تنفسك، أعلى الدنيا؟!..فقال جابر: نعم ، فقال له:

يا جابر!.. ملاذّ (متع) الدنيا سبعة: المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح والمركوب والمشموم والمسموع:

فألذ المأكولات العسل، وهو بصق من ذبابه.

وأحلى المشروبات الماء، وكفى بإباحته وسباحته على وجه الأرض.

وأعلى الملبوسات الديباج، وهو لعاب دودة.

وأعلى المنكوحات النساء، وهو مبال في مبال، ومثال لمثال، وإنما يُراد أحسن ما في المرأة لأقبح ما فيها.

وأعلى المركوبات الخيل، وهم قواتل.

وأجلّ المشمومات المسك، وهو دم من سرّة دابة،

فما هذه صفته لم يتنفس عليه عاقل). الإلحاح والعبودية والإصرار على التعلق بشيء يقودك إلى خنق ذاتك، وخنق هذا الشيء، ولو كان حجرا أو جدارا. وكي تفك العبودية، ابحث عن بدائل عبر (كوكتيل الحياة). تقول مستغانمي (لا تستنزفي نفسك بالأسئلة كوني قدرية، لا تطاردي نجما هاربا، فالسماء لا تخلو من النجوم، ثم ما أدراك ربما في الحب القادم كان نصيبك القمر. ما قد يبدو لك خسارة قد يكون هو بالتحديد الشيء الذي سيصبح فيما بعد مسؤولا عن إتمام أعظم إنجازات حياتك..).

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية