العدد 3997
الثلاثاء 24 سبتمبر 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
النرويج واستخدام نظرية النبي يوسف في الاقتصاد
الثلاثاء 24 سبتمبر 2019

النياحة الاقتصادية، وتوزيع مناديل البكاء على التجار لا تصلح الآن. دعونا من الدراما، والتراجيديا الاقتصادية إلى حيث الاستراتيجية وخطة طوارئ لوقف النزيف. التجار أصبحوا مثل قيس يبكون على ذكريات الحب والغرام مع ليلى الأرباح، ومدراء الوزارات ومسؤولوها يحنون إلى دلال الامتيازات، وتغنج الرواتب أيام ما كان أسعار النفط ترقص ارتفاعًا في البراميل الذهبية. النرويج دولة من شمال أوروبا، نفطية لكنها استخدمت سياسة النبي يوسف، وهو استغلال السنين السمان من النفط للسنين العجاف من قحطه وتقلب سوقه؛ وذلك عبر تأسيس صندوق تخزن فيها أموال الوفرة تحسبًا لو حاول النفط الغدر بها.

تملك النرويج، أكبر صندوق سيادي في العالم تقارب قيمته تريليون دولار (ألف مليار دولار)، تعول عليه البلاد لمواجهة أي صعوبات مقبلة، وقد أسس العام 1990.

لكن الحكومة انتظرت حتى مايو 1996. لتبدأ بتمويله بشيك متواضع تقل قيمته عن ملياري كورون (نحو 305 ملايين دولار). إن منجم الذهب هذا، هو مصباح علاء الدين للحكومة النرويجية وللشعب والأجيال القادمة، ويتم استثمار أمواله في البورصة العالمية، وفي قطاعات كثيرة منها العقارية. وهو صديق للبيئة، وعدو لأي شركات عالمية تمتلك شبه تعد على البيئة أو حقوق الإنسان. البحرين عرفت بمرونتها السياسية، والمالية والاقتصادية، وتمتاز بالحكمة عند أي تقليعة ثورية أو اقتصادية في العالم، واستطاعت بفضل حكمة القيادة ومهارة الشعب جعل الجزيرة مركزًا ماليًّا يرفع له القبعة على مستوى العالم. وهي مريضة بالأمل، وتتوحّم دائمًا على التحرش بخيوط الشمس؛ لهذا بقيت رغم الأزمات العالمية قوية. لهذا علينا أن نفكر في خطط استراتيجية، وندرس كمثال تجربة النرويج، فنزول أسعار النفط سبب لها جزء إرباك لكنها تحوطت له من التسعينات بهذا الصندوق، إضافة كانت تمتلك أجهرة قوية لاصطياد بعوض الفساد الذي عادة يمتص دم الاقتصاد لو وجد، وكانت محصّنة من أسماك (البيرانا) البشرية المتوحشة التي تورطت بها اقتصاديات أميركا اللاتينية كالبرازيل والأرجنتين والمكسيك. وتمتلك النرويج حضنًا استثماريًّا يمتاز بالحنان التشريعي لرؤوس الأموال، وتملك السلطة التشريعية بندقية صيد لاصطياد البيروقراطية والقضاء عليها بخلاف تجربة فنزويلا النفطية التي لديها بعض من أكبر احتياطيات النفط والغاز الطبيعي في العالم، ومن بين أكبر عشر دول منتجة للنفط الخام. التي راحت تدلل الشعب بالمال، والشعارات الهائجة وكانت تسخر من أميركا بنرجسية ثورية واستخفاف، إنها ستدعم فقراء أميركا أما اليوم فهي تعاني من أزمة اقتصادية وسياسية وشبح الفقر يخيّم على البلاد. الاقتصاد قبل كل شيء قرار وإدارة. أحيانًا قرار من مسؤول بسيط يسبب بقراره ذبحة صدرية لقطاع كبير، تنتقل الحمى لبقية القطاعات. أنا اجتهد للبحث عن حلول ابستمولوجية، وأنا أدرس اقتصادات العالم، حبًّا في المعرفة، وتيمنًا لجمال عيون البحرين، فهي تستحق منا كل فكرة ناضجة لنجعلها تتسامر مع الحضارة على ضوء القمر. إن الادخار في زمن الوفرة لزمن الجفاف نظرية يوسفية كما في الآية ( قال تزرعون سبع سنين دأبًا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون. ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهنّ إلا قليلاً مما تحصنون. ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) (يوسف، الآيات 46 - 49). هكذا فعلت النرويج، وعلينا أن نبدأ الآن بصندوق الاحتياط المدروس. الاقتصاد نفس المعادلة الكيميائية، كل شيء يؤثّر في الآخر؛ لهذا أدعو وزارة التجارة والصناعة لدراسة ما يعانيه التجار، وسبب غلق السجلات، ولابد من النظر البعيد لسياسة الضرائب والرسوم من هيئة الكهرباء التي جعلت القطاعات تصاب بالذبحة الصدرية، بما فيها القطاع العقاري، فجعلت منهم قاعًا صفصفًا. كذلك هناك قرارات عقارية سببت الإحباط للسوق. هناك اكتئاب عقاري في البلد بسبب الرسوم، وشوزيفرينيا في القرارات. صحيح قد توفر هذه المؤسسات مالًا من الضرائب والرسوم، لكنه سيتبخّر غدًا إذا طفَشَت وهربت رؤوس الأموال، وإذا رفعت الفائدة في البنوك، فلن يكون هناك سيولة في السوق، ومال لمشاريع؛ وبالتالي يتراجع النمو؛ فيفرخ بيض بطالة، فينتج انخفاضًا في القيمة الشرائية لعدم المال وبسبب التضخم وارتفاع الأسعار. الاقتصاد عبارة عن حلقة دائرية. بعض مسؤولي الوزارات بحاجة إلى ثقافة أنثربولوجية، أي معرفة العلوم الإنسانية لمعرفة مخاطر القرارات التي تنزل كنيزك على القطاعات.أقول، دعونا نقدّم رؤى تنويرية لهذه الجزيرة الجميلة التي تستحق منا كل عصف ذهني لتكون الأجمل، والأقوى تحت راية وقيادة أبي سلمان، وحكمة أبي علي وتنوير أبي عيسى، وشعبهم الوفي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية