العدد 4009
الأحد 06 أكتوبر 2019
banner
رسالة من تايوان
الأحد 06 أكتوبر 2019

هي النخلة عندما تسافر معي إلى تايوان، أو جزيرة الأمواج الصفراء، هي صنع في البحرين رغم أن الصناعات في الجزيرة الطالعة من عين الشمس تعتمد على أكثر من نخلة وأكثر من محصول، بل وأكثر من عين يقين.


عندما أقلعت بنا الطائرة إيذانًا بسفرنا إلى تايوان قبل أيام لم يكن في حقيبتي غير قليل من ملابس مناسبة لتقلب المواسم وثراء الذكريات، ما كان في جعبتي أكثر عدة عما كان في حقيبتي، وما كان يراودني ليست بالضرورة المحاضرات التي سوف نستمع إليها في المؤتمر العالمي للشبكة الجامعية الدولية، أو هكذا يمكن تسمية المنتدى الذي نحن بصدد التوجه إليه.


في الطائرة خليط من الذكريات المخلوطة بنكهة الطعام المحبب إلى النفس، وعند الصعود قلق من طول الرحلة، وسحيق المسافة، وتوتر يرتفع منسوبه الأقل وطأة من قلق يساورني حتى وأنا على الأرض، كل ذلك لم يكن بمنأى عن ما شاهدناه أنا ورفيق دربي البروفيسور منصور العالي، كان كل شيء ممهدًا لكي أرى بلدًا جديدًا في كل شيء، رغم عراقة التحديات وتاريخية النماء والازدهار، عندها تذكرت كلمات رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان حفظه الله ورعاه وهو يحدثنا من خلال مجلسه المهيب عن صناعاتنا الوطنية التي يجب أن تنبع من بيئتنا الخالصة، من تربة بلادنا الخصبة، وتذكرت كيف أن سموه وهو يتحدث عن “صنع في البحرين” متجولًا في أروقة الزمان وبهارات الأمكنة حول العالم أن البداية هي النخلة، هي مربعنا الأول الذي يمكن أن ننطلق منه إلى عالم صناعي زراعي متمسك بهويته، متعاطف مع هويات الآخرين، مبدع بطبيعته، محترمًا لإبداعات الآخرين، إبداعنا من نخلتنا، وصناعتنا من عسلها الحلو وتمرها الصحي، من جريدها مترامي الأطراف، وسعفها المتصل بالبيئة وحوار الحضارات.
عندما أدركت أن للذاكرة قيمتها الحيوية وأن لوصايا القائد الملهم ذلك المدى الذي يمكن أن يبتعد بنا لنحلم أكثر عندما نتذكر أكثر، لنحقق أكثر حين نتعلم أكثر، بين الحلم والتحقق مساحة اختيار، إما أن نعرف، فندرك فنعمل فننتج، وإما أن نفقد الأمل في زحمة العدوان على الخيال، فلا نحلم ولا ندرك ولا نتعلم ولا يكون في حوزتنا أي حق لامتلاك براءات اختراع، أو ملكية فكرية، أو منصة علمية.
وصايا الرئيس كانت معنا في رحلة طويلة طويلة إلى جزيرة الشمس المشرقة “تايوان”، كانت الصناعات التي يحثنا سموه عليها متجسدة أمامنا في شقائق غير متماثلة من صناعات وطنية في الصين الوطنية، ربما لا نسعى إلى استنساخ كل ما نراه، ربما لا نجتهد حتى في نقل المعرفة مثلما هي عليه في الشرق البعيد من الخليج، وربما نكون قد بلغنا نصف الطريق وأنا ورفيق رحلتي نتجول على الهامش من منتدى “الشبكة” وسط دروب العلم المفضي إلى حلول ناجعة لمشكلات المجتمع، إلى بحوث قاطعة في قلب الهم الصيني، وعمق أدغاله الغامضة، ثم إلى حضارة تعكس على جبهتها الداخلية ذلك التلاحم الأزلي بين تحد جاثم على الصدور، وانفراجة تقودها الهمم المؤمنة برخاء الوطن وازدهار الأمة وإسعاد العالمين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية