العدد 4066
الإثنين 02 ديسمبر 2019
banner
أثر الحرب التجارية بين أميركا والصين على قطاع الطاقة
الإثنين 02 ديسمبر 2019

أثار حظر الولايات المتحدة تصدير المكونات التكنولوجية اللازمة لمنتجات شركتي ZTE وHuawei الصينيتين عدة تساؤلات حول المخاطر المحتملة والمترتبة من اعتماد الصين على الولايات المتحدة في الحصول على الطاقة اللازمة لدعم اقتصادها الوطني. ففي حين أن الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين حتى الآن ارتكزت على قطاع التكنولوجيا، إلا إنه من الممكن أن تُوسّع الولايات المتحدة نطاق الحرب لتشمل قطاع الطاقة، الذي يعتبر قطاعاً حيوياً مهماً للاقتصاد الصيني. وعلى الرغم من أن تعرُّض الصين المباشر تجاه مخاطر صادرات الطاقة الأميركية قد يكون ضئيلاً أو معدوماً، إلا إن هذا لا يعني أن الصين مُحصّنة اقتصادياً ضد سياسات الطاقة الأميركية. إن القائمة السوداء التي أصدرتها السلطات الأميركية مؤخراً تحوي عشرات من ناقلات النفط التي تديرها عدد من شركات الملاحة الصينية – من بينها شركة COSCO العملاقة والمملوكة للسلطات الصينية – والتي تزعم الولايات المتحدة بأنها خرقت العقوبات المفروضة على إيران. وصدور القائمة في سبتمبر الماضي أدى إلى ارتفاع في أسعار الشحن بناقلات النفط الخام، وخلق صعوبات لوجستية في تجارة النفط في الصين.

وفي حين أن قطاع الطاقة هو أحد أكثر الخيارات جاذبية لتخفيض العجز التجاري للصين مع الولايات المتحدة؛ إلا أن الثقة بين البلدين أخذت في التلاشي على المدى القصير، خصوصاً فيما يتعلق باتفاقيات إمدادات الطاقة إلى الصين الطويلة الأجل والتي تعتبر ضرورية لنمو صناعة الغاز الطبيعي المُسال في الولايات المتحدة. قطاع الطاقة مهم لكونه داعماً للنهضة الاقتصادية في الصين، وبدون توافر الطاقة اللازمة فإن الاقتصاد الصيني سيتوقف عن النمو. حيث أن الصين لا تُعد أكبر مستهلك للطاقة الأولية فحسب، بل أيضاً أكبر مستورد للنفط والغاز على مستوى العالم. وبحسب صندوق النقد الدولي، تُعد واردات الصين من النفط ثاني أكبر وارداتها بعد المعدات الكهربائية – والتي غالباً ما يتم إعادة تصديرها.

أمن الطاقة

مع تقلص نصيب الفرد من احتياطي النفط والغاز نسبياً، من المتوقع أن تعتمد الصين بشكل متزايد على ما تستورده من الطاقة لتلبية الطلب المحلي المتزايد. ففي العام الماضي، ارتفع اعتماد الصين على الطاقة المستوردة إلى 20% وهو أعلى مستوى على الإطلاق. وبحسب تقرير صادر في سبتمبر الماضي عن الإدارة الوطنية للطاقة في الصين، فإنه من المحتمل أن يرتفع اعتماد الصين على الطاقة المستوردة إلى 30% بحلول عام 2030، مما قد يخلق مخاطر أكبر حول أمن الطاقة في الصين. بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، فإن أمن الطاقة يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد الاستقرار الاجتماعي والسياسي. فمع تصاعد المخاوف في بكين حول الآثار المترتبة من الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، بات من الواضح أن هناك قلق متزايد في الأوساط السياسية الصينية حول نقطة ضعف رئيسية في استراتيجية الصين للطاقة، اذ يمر معظم النفط والغاز الطبيعي المُسال المستورد إلى الصين عبر “مضيق ملقا” – الواقع جنوب شرق آسيا، بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية – بالإضافة إلى عدد من الممرات البحرية الأخرى، والتي يمكن للبحرية الأميركية أن تغلقها في حال ارتأت ذلك. وعلى الرغم من أن لدى الصين خطوط أنابيب بديلة لاستيراد النفط الخام عبر كُلٍ من روسيا وآسيا الوسطى، إلا أنها لن تكون كافية لتعويض النقص في الطاقة اللازمة في حال تم فرض حظر بحري من قِبل الولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى شلل الاقتصاد الصيني.

استجابةً للتوترات المتزايدة، أعادت الصين تركيز جهودها على زيادة الإنتاج المحلي من النفط والغاز. ففي يوليو من العام الماضي، طلب الرئيس الصيني شي جين بينغ  من المؤسسات الحكومية وشركات النفط الصينية تنفيذ تدابير وخطط لزيادة إنتاج النفط والغاز. استجابت شركات النفط الصينية الثلاث الكبرى PetroChina و Sinopec و CNOOC ودعمت رؤوس أموال استثماراتها في عمليات التنقيب والإنتاج هذا العام بحوالي 77 مليار دولار – بزيادة قدرها 18% عن العام الماضي. ولكن كثير من المراقبين يرون أن هذه التدابير محدودة الأثر وغير مجدية. فقد بلغ إنتاج النفط في الصين ذروته عام 2015 عند 4.3 مليون برميل في اليوم وتراجع من بعدها إلى 3.8 مليون برميل في اليوم نتيجة إغلاق عدد من حقول النفط الغير مُربحة. وعلى الرغم من إعلان الصين عن تنامي الإنتاج المحلي من النفط مرة أخرى، إلا أن الإجراءات التي تم تنفيذها إلى الآن لن تكون كافية لمواكبة النمو المتسارع في الطلب المحلي على الطاقة والذي يقدر بـ 3 إلى 4 % بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، لذا فإنه من المتوقع أن تواصل واردات الصين من النفط في الارتفاع.

وبالمثل، أدى النمو المتسارع في الطلب على الغاز في الأسواق الصينية إلى ارتفاع سريع في واردات الصين من الغاز، إلى أن باتت الصين ثاني أكبر مستورد للغاز في العالم بعد اليابان. فقد بلغ حجم سوق الغاز في الصين 272 مليار متر مكعب في عام 2018، تم إنتاج 152 مليار متر مكعب منه محلياً بينما تم استيراد ما يقارب 120 مليار متر مكعب – تتضمن 69 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المُسال و51 مليار متر مكعب عن طريق خطوط الأنابيب. وبحسب مصدر مسؤول من شركة Sinopec Gas المملوكة للحكومة الصينية، فإنه من المتوقع أن يزيد الطلب المحلي على الغاز بمقدار 10% بحلول نهاية العام الحالي.

ارتفاع الطلب على الطاقة

ذكر تقرير صدر في 2018 من معهد الأبحاث والتكنولوجيا التابع لمؤسسة البترول الوطنية الصينية  بأن بكين ترغب في أن يُشكل الغاز 15% من مزيج الطاقة بحلول 2030، مما يعني بأن حجم الطلب عليه سيصل إلى 600 مليار متر مكعب بحلول العام نفسه. وعلى افتراض أن الإنتاج المحلي من الغاز سيزيد ليتمكن من تلبية نصف حجم الطلب المتوقع، فإن حجم واردات الصين من الغاز اللازم لتغطية المتبقي من حجم الطلب سيصل إلى 300 مليار متر مكعب. وهذا يعني زيادة في إمدادات الغاز المستورد تقارب 100 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المُسال أو عبر خطوط الأنابيب من روسيا – أي ما يعادل إضافة في حجم الطلب على مدى السنوات العشر المقبلة تُقدر بحجم الطلب الحالي على الغاز في اليابان!.

إذا كانت الصين والولايات المتحدة تتجهان إلى حالة من التعايش العدائي، فإن الصين قد تحاول الحد من الطلب على النفط والغاز من الولايات المتحدة وفي الوقت ذاته اتخاذ خطوات جادة في زيادة الإنتاج. ولكن من الواضح أن هذا سيؤثر سلباً على أسواق النفط والغاز نظراً إلى الدور الرئيسي الذي تلعبه الصين في العالم كسوق استهلاكي ضخم ذو نمو متسارع، من المتوقع له أن يمثل حوالي 40% من النمو العالمي المتزايد على النفط والغاز خلال العقد المقبل، بحسب الوكالة الدولية للطاقة. وفي الوقت الذي تقوم فيه الصين ببذل كل ما في وسعها لإنتاج النفط والغاز الصخري، إلا أن هناك حدود لما يمكن أن تحققه. ويبدو أنه من المُحتم أن تستمر وارداتها من النفط والغاز في التصاعد. خسارة الولايات المتحدة لقطاع توريد الطاقة إلى الصين سيشكل مكسباً للآخرين، حيث من المرجح أن تكون كلٍ من أستراليا وروسيا – أكبر موردي الطاقة إلى السوق الصينية في الوقت الراهن – الرابحان من الحرب التجارية المتصاعدة بين القوتين الاقتصاديتين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية