العدد 4154
الجمعة 28 فبراير 2020
banner
لماذا علي أن أكتب! (2)
الجمعة 28 فبراير 2020

أكتب لأن الكتابة تقيني من النسيان وتعيد ترتيب مسارات الأفكار في ذاكرتي وتمنعها من الاصطدام ببعضها، وتعينني الكتابة على نحو غامض على التخلص من الأفكار التي لم تعد صالحة للهضم، فتحتفظ بالجيد منها على الورق وتترك السيئ لتأخذه يد النسيان وتطوح به بعيداً عن الذكرى، هكذا تفعل بنا الكتابة، تعيد رتق جراحنا وتستر عورة أحزاننا والأهم من ذلك أنها وصفة طبية فعالة لا يعرفها سوى الكتّاب.

في كل مرة أكتب فيها أسترجع السبب الحقيقي وهو: ردم الكثير في المسافة الفاصلة بين الواقع والحلم، فالكتابة تجعل أحلامنا - التي ترافق النجوم- قريبة من أصابعنا وتدور بطواعية حولها، الكلمات هي عصاتنا السحرية التي تعيد تشكيل واقعنا بالصورة التي نتمناها ومحاولاتنا في الكتابة إنما هي لجعل العالم أفضل للعيش لنا وللآخرين، من لم يجرب الكتابة يوماً لن يدرك حجم النعيم الذي يتسرب من بين يديه.

لكن الكتابة لا تأتي بالسهولة التي تنساب بها كلماتنا عند الحديث، الكتابة تتطلب انتظار لحظة الإلهام، أو استدعاءها، فالدخول في “لحظة الكتابة” يتطلب طرقاً على باب الورق حتى يُؤذن لك بالدخول لهذا العالم، وحينها ستصاب بنوع من النشوة التي تفصلك عن واقعك وتدخلك عالماً آخر يشبه السحر، هذا الإحساس ناتج عن الاستغراق في اللحظة وعيشها دون التفكير في الماضي أو الاستعداد للمستقبل، أن تعيش هذه اللحظة الآنية فقط دون وجل أو قلق حتى تتجلى لك الكلمات.

الكتابة أمر يشبه الصيد، إذ عليك أن تتعلم اقتناص الكلمة المناسبة من بين آلاف الكلمات، تنقض عليها وتطرحها على الورقة قبل أن تهرب منك، لذلك عليك أن تكون جريئاً وواعياً دائماً، أن تكون حاضراً للصيد حتى لو كنت توشك على النوم وباغتتك طريدتك “الكلمة” وقفزت أمام عقلك.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .