العدد 4157
الإثنين 02 مارس 2020
banner
لماذا عليَّ أن أكتب؟! (3)
الإثنين 02 مارس 2020

أكتب حتى أعثر على اخوتي في القصة، أولئك الذين لهم القصة ذاتها والوجع نفسه ولكنهم لم يحكوا عنه، فأكل الصمت ألسنتهم، لذلك أنوب عنهم وأستنطقهم بقلمي وأمثلهم في محفل الورق، أكتب لأن صحبة الورق (آمنة)، فهو لن يفشي سرك ولن يقصم قلبك بالغدر كما هي عادة البشر.

أولئك الذين لم يجربوا أن يفضفضوا أحاديثهم للورق، لن يدركوا قيمة هذا الصديق الصامت.. أكتب حتى أعرف ما الذي يدور تماماً في عقلي، أكتب حتى أنفض أعماقي التي غطاها غبار الصمت، أكتب حتى أوقف قطار العمر الذي يمر من أمامي وهو خالٍ (مني)! أكتب حتى أقبض على اللحظة المارقة مني وأحفظها في سجن من الأسطر، أكتب حتى أشغل حواسي كلها وأعلمها الإنصات والإحساس بما حولي، فحواسي هي الأخرى قادرة على الكلام، فمثلاً أذني التي أدمنت الاستماع إلى تشايكوفسكي وبرامز وييروما تريد أيضاً أن تحكي عن نشوتها أثناء العزف، تريد أن تنقل هذه التجربة عبر الكتابة، ومن غير الكتابة قادر على ذلك!

أكتب لأن الورق ذاكرتنا الأخرى التي تحتفظ بنا، إذ غالباً ما أتساءل: ترى كم من الحكايات والقصص كانت ستُنسى لو لم تُكتب ولم تنقذها الأوراق من براثن النسيان؟ أكتب لأن قلبي جائع للكلام ولا أذن حولي لتسمعه وحتى أرّوض نفسي بنفسي أولاً قبل كل شيء.

البعض يهرب من الجلوس مع نفسه لكن الكتابة ستعلمك أن صحبة نفسك هي الأهم. تذكر أن الكتابة تتطلب الكثير من التركيز، وهذا ما تتطلبه الحياة بأكملها.

الكتابة تهذبك وتعلمك حُسن الاستماع إلى نفسك وقلبك وعقلك، إلى صوت الطفل الصغير الذي نسيته في داخلك وكبر ليصبح أنت! أنا أكتب حتى أتذكر أنني على قيد الحياة. وماذا عنك؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية