العدد 4161
الجمعة 06 مارس 2020
banner
بوكوفسكي... والبقاء حيا بالكتابة!
الجمعة 06 مارس 2020

عندما تقرأ لهنري تشارلز بوكوفسكي الشاعر والروائي الأميركي، تدرك أن مرارة العالم صُبّت بأكملها داخله، وأنه مهما حاول أن يخفف منها فهناك المزيد ليسقيه للورق، حيث فاقت مؤلفاته 70 إصدارا، وتنوعت ما بين دواوين شعر وروايات ومسرحيات وقصص قصيرة.

في طفولته عاش هنري معنفا مهانا من قبل والده، وفي المدرسة كان مهمشا ومثارا للسخرية بسبب تعسره في القراءة، فتم عزله عن رفاقه، أما في مراهقته فقد أصيب بأسوأ أنواع حب الشباب، حيث حفرت وشوهت هذه الحبوب وجهه وذراعيه، فآثر الابتعاد عن الناس تجنبا لنظرات الاشمئزاز والشفقة، فعاش معزولا عنهم، ناقما عليهم، وعلى الحياة التي لم تنصفه، وهو ما يبرر فظاظته في الكتابة والتعامل كرد فعل دفاعي على ما واجهه.

كانت أول ثورة لهنري ضد اضطهاد والده عندما تعارك معه بعد أن قام بإلقاء آلته الكاتبة في الشارع، ففي ذلك اليوم رحل دون رجعة إلى لوس أنجلوس، وتنقل بين المكتبات مسحورا بروائع الأدباء والشعراء، وعندما حاول الكتابة قوبل بالرفض من قبل دور النشر فتوقف لمدة عقد كامل.

عدة مرات حاول الانتحار، لكن الكتابة منعته من الموت عندما وجد الورق الأبيض ينتظره على السرير، فصب سقمه وآلامه في آلاف القصائد ومئات القصص، ووجدها سببا يبقيه حياً.

يعتبر هنري “أعظم شعراء أميركا” كما لقبه سارتر، وكان بطلا قوميا اعترفت به أوروبا قبل أميركا وصار ملهم الشباب الأول بقصائده الشعبية التي يشرح بها الحياة وهمومها بمنتهى الواقعية والصدق بعبقرية فريدة تكمن في قول أعمق الحكم بأبسط الألفاظ مع مقدار من السخرية. بوكوفسكي عاش حياته محاولا اقتناص فرص النجاح، رغم اكتئابه وفشله وتهمشيه، وفي النهاية وعلى غير المتوقع نال ما أراده. فهل حياتك أسوأ منه حتى لا تحاول؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .