العدد 4236
الأربعاء 20 مايو 2020
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
ما بعد كورونا؟!
الأربعاء 20 مايو 2020

تتحدث أكثر البرامج والمقالات – مؤخرًا – عبر مختلف الوسائل الإعلامية العالمية، حول التعاطي مع “مرحلة ما بعد كورونا”، وهذا يعني أن حالة من التشبع (الإعلامي) قد بلغت ذروتها، حول مناقشة كيفية انتشار الفيروس، ووسائل الوقاية والعلاج، مع ما رافقها من صِدامات حول نظرية المؤامرة، والنظام العالمي الجديد الذي يمتشق حصانه، ويأذن بحلول أوانه هذا الفيروس! وقد استطاعت هذه الوسائل أن تُحدِث حالة من التشكيك، والتشويش، والإرباك، حول ماهية الحدث، وحيثياته، ومصادره، غير أن هذه الجلبة الإعلامية وما يحمله – بعضها - من بعد سياسي، تظل هامشية إذا ما قُورنت بالمرض على الأرض، في بلداننا، وعلى مقربة منا؛ إذ إن جلّ اهتمامنا مُنصبٌ نحو أنفسنا، وكيف نحميها من هذه “الزوبعة”، التي تحمل “فقاعات تهويلية” أكثر منها أعراضًا مرضية!

يتحدثون عن “مرحلة ما بعد كورونا” – الآن - وهذا يثير أكثر من سؤال: هل قاربت المرحلة الكورونية التي لا نزال نعيش أحداثها على الانتهاء؟ هل هذه لغة تطمينية، تشي بواقع السيطرة على الفيروس في المختبرات العلمية، ونجاح كشفي في طور التعميم؛ بحيث ينقلنا – سريعًا – نحو المراحل اللاحقة؟ أم أن العالم الذي باغتته الكورونا فجأة، فكشفت الكثير من عوراته، وادعاءاته، ولاسيما ما يتعلق بمؤشرات التنمية المرتفعة، قد تنبه إلى أن عليه لعب دور البطولة في استباق الأحداث؟ في ظل انتقادات لاذعة له، حول عدم الاستعداد والجاهزية لإدارة الأزمات، والكوارث، التي يأتي وباء الكورونا، أحد أبرز صورها في العصر الحالي.

إنْ كان العالم قد انتبه إلى أهمية الجاهزية، والتأهب، وانطلق من هذا السياق؛ فهذا أمر محمود، ومرغوب فيه، نعم؛ داهمتنا الكورونا فجأة، وأثارت العديد من الإشكاليات، والتحديات، كأزمة هبت كإعصار جارف، وتطلبت الحلول السريعة: في الاستيعاب، والتقبل، والاحتواء، والعلاج، لكنها – على الرغم من ذلك – تبقى حلولًا مُسايرة للحدث، مُساوقة له أو متزامنة، فما لم تكن مُقترنة بتفكير مرن، مُنفتح، مُبتكر، مُتسع للقادم، مُخطط للمستقبل؛ سنظل نُلصق الضمادات على السطح، ونترك العمق يَمور في جراحه.

إنْ كان الحديث حول “مرحلة ما بعد الكورونا”، يعني تلافي التغييرات المفاجئة، والنجاة مما هو غير متوقع، أو صادم، وتحقيق أكبر قدر من الاستعداد على المستويات كافة؛ فأهلا وسهلا به، وإنْ كان مجرد نقاش إعلامي، هدفه تغيير الموجة (من نظرية لأخرى)، لكيلا يملّ الجمهور أو تتصدع رؤوسهم من الترديد والتكرير؛ فهذا إسفاف لا جدوى منه ولا طائل، ولا يُمتع إلا أصحاب المغامرات، والدراما السينمائية، والقصص البوليسية... نرجو ألا يكون كذلك.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية